18 سبتمبر 2025

تسجيل

دروب الأزمة اليمنية

26 أغسطس 2015

عندما سئل متحدث باسم جماعة الحوثي عن مبرر قتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل في مدينة تعز المنكوبة وتدمير المساكن فوق رؤوس سكانها، أجاب: نحن في حرب وطالما هناك من يرد على نيران قواتنا، فإن كلا الطرفين مسؤول عن سقوط هؤلاء الضحايا. وهذا يعني أن ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع تستند إلى إستراتيجية التعويم الممنهج للمسؤولية عن هذا الصراع العبثي على كل شرائح المجتمع اليمني، وفي مقابل هذه الجرائم بحق الإنسانية يشترك الحوثيون وحلفاؤهم في مشاورات مسقط برعاية مبعوث الأمم المتحدة ولد الشيخ أحمد ويقدمون مبادرات للبحث عن حل سياسي يجعلهم جزءا من مستقبل البلاد. هذه المبادرات كانت تقابل بالرفض من الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته الموجودة في الرياض والسبب أن ميلشيات الحوثي وحلفاءها يريدون الالتفاف على قرار مجلس الأمن الدولي من خلال البحث عن تسويات سياسوية مراوغة تجعلهم في حل من أمرهم تجاه القرار الذي يفرض عليهم العودة إلى صعدة بعد وقف إطلاق النار وانسحابهم من المحافظات وتسليم السلاح وممارسة السلطة الشرعية مهامها من صنعاء، ولذلك اعتمد الرئيس هادي، هذه المرة، نهجا مراوغا من خلال أسلوب لا تكذب ولا تقل الحقيقة، فعندما رأت الحكومة اليمنية بوادر غرق الطرف المسلح الذي انقض على سلطة النظام الانتقالي قدمت مبادرة تنصب حول كيفية تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، وهو ما يعني عدم نيتها أصلا في خوض محادثات مع طرف يريد تقديم نفسه كقوة سياسية، بينما فرض إرادته الأحادية بقوة السلاح وأشعل الحرب ووزع الموت في طول البلاد وعرضها. يبدو أن الرئيس هادي أصبح يعول الآن على الحل العسكري لاستعادة سلطته المنهوبة، ذلك أنه يرى رفضا شعبيا متصاعدا ومسلحا لمليشيات الحوثي وقوات صالح في مناطق كانت تعد من الحواضن الشعبية مثل محافظة ذمار، وتقدما كبيرا للمقاومة في تعز وإب ووضعا إستراتيجيا جديدا لدور ومستقبل محافظة مأرب التي تسيطر عليها القوات الموالية للشرعية، بينما يتمركز الحوثيون في أطرافها. وفي المقابل بدأت تتضح للمراقب ملامح خطة قوات التحالف العربي للسيطرة على صنعاء من خلال تعزيز جبهة مأرب بآليات وعتاد عسكري متطور وإبحار بوارجها الحربية إلى مضيق باب المندب وميناء المخا وقبالة ميناء الحديدة الذي قصفته صواريخ طائرات التحالف، ما أدى إلى شلل تام في نشاطه التجاري وما يوفره من دعم مالي للمجهود الحربي الحوثي وهذا يعني أن هناك أسهما ربما تكون مشابهة لعملية السهم الذهبي الذي أخلى عدن من سهام الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع. الأزمة اليمنية الشائكة والمعقدة تسير في دروب متعددة تمكن الإشارة هنا إلى ثلاثة منها، الأول يتمثل في التوصل إلى تسوية سياسية يصبح الحوثي والرئيس المخلوع طرفا فيها وبالتالي العودة إلى المربع الأول وإنتاج حالة جديدة من الصراع، محددها استعادة رمزية بقاء المذهب الزيدي في سدة الحكم وهذا يبدد أحلام الوصول إلى أجواء الأمن والاستقرار. أضف إلى ذلك أن الرئيس المخلوع لم يعد في أجندته سوى الانتقام وهدم المعبد، أما المتحالفون معه فسيعون إلى ترسيخ فكرة السيد القائد الذي يمنحه نسبه الهاشمي، لأن يكون المتحدث الوحيد باسم الشعب وهو المرجع الوحيد لكل السلطات. أما الدرب الثاني فيتمثل بأن تتمكن المقاومة الشعبية بالجيش الوطني وقوات التحالف من تحقيق نصر على الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع والسيطرة على صنعاء وملاحقة فلولهم في صعدة، الأمر الذي سيمكن الرئيس هادي من العودة إلى صنعاء والدعوة لمؤتمر وطني جامع تشارك فيه كل القوى والتيارات التي شاركت في مؤتمر الحوار الشامل الذي انطلق في 18 مارس 2013 واختتم أعماله في 25 يناير 2014 لإعطاء الضوء الأخضر لتطبيق نتائجه على أرض الواقع ومنها تدشين مرحلة الدولة الاتحادية المكونة من ستة أقاليم وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، لكن ستقف أمام هذا الدرب عوائق كبيرة، ذلك أن الرئيس المخلوع قد أعد العدة لمرحلة ما بعد الهزيمة، حيث إنه سيتحول إلى تنشيط خلايا داعش والقاعدة ليكون بذلك أول رئيس سابق يقود ويمول تنظيمات إرهابية وهذا الدرب بدأت تجلياته في عدن، إذ إنه بعد احتفال حكومة هادي بتحرير المدينة نشطت الخلايا الإرهابية النائمة التي يحركها ضباط موالون لعلي عبد الله صالح يعملون في جهازي الأمن القومي والأمن السياسي وهذا يعني أن البلد مقبلة على حالة داعشية جديدة تشكل تهديدا لمستقبل اليمنيين وتحديا مقلقا لكل دول الإقليم إذا لم تتم محاكمة المخلوع ومصادرة كل ملياراته والاستفادة منها في برامج إعادة الإعمار.