13 سبتمبر 2025

تسجيل

الدوحة تعيد تعريف الجغرافيا السياسية

26 أغسطس 2014

ينظر البعض للدور القطري المتنامي إقليميا ودوليا بعين الرضى والاستحسان، فيما يشكك البعض الآخر بهذا الدور ويصيغون حوله أساطير وينسجون روايات زائفة، وهناك فئة تقف على "حبل مشدود" وهي مصابة بالذهول من القيمة المضافة التي تقدمها الدوحة في القضايا الإقليمية وما بعد الإقليمية "أفغانستان نموذجا"، ومرد الحيرة والذهول لدى هذه الفئة هي "انكسار" القواعد والمقاييس الجيوسياسية في مواجهة منظومة جديدة من المعايير التي تمكن دولة صغيرة "جغرافيا وسكانيا" من لعب هذا الدور المهم الذي يفوق كثيرا دولا تصنف على أنها "كبرى إقليميا".هذا الجدل حول الدور القطري أو ما يطلق عليه البعض "الحالة القطرية"، دليل على "الصحة والعافية" للسياسة القطرية التي تتقدم الى الأمام باطراد، وتتوسع أفقيا وعموديا، بوصفها "قوة ناعمة" مقبولة إقليما ودوليا على نطاق واسع، مع عدم إغفال وجود غاضبين ورافضين من هذا الدور، خاصة على المستوى الاقليمي، وهو رفض لا يستند الى أي موقف أخلاقي أو قيمي أو سياسي، فالدوحة لم تكن يوما منافسا لأحد، ولا فكرت بالسطو على أدوار الآخرين، ولا هي رغبت بذلك، فليس لديها "طموحات إمبراطورية" و "أفكار توسعية" أو "أيديولوجيات للتصدير"، إذن ما الذي يزعج هؤلاء الرافضين للدور القطري؟الأرجح أن هؤلاء الرافضين والغاضين، يعتقدون أنهم "الأحق" بلعب دور في المنطقة وبالتالي فإن ما تقوم به قطر يعود اليهم! ولكن التساؤل هو: ما الذي يمنعهم من لعب هذا الدور؟ ولماذا لم يتقدموا باتجاه "توطيد مكانتهم في العالم العربي على الأقل؟ السبب بسيط أن هذه الدول دخلت في الصراعات الاقليمية بشكل أو بأخرى، وبالتالي تحولت إلى طرف في هذه النزاعات، مما أضفى حالة من الشك والريبة على أي دور تقوم به، وبالتالي تحولت من "قوى إقليمية" إلى دول مرفوضة إقليميا، شعبيا وذلك في أضعف الإيمان.أما قطر فكانت دائما في المنطقة الوسطى، ولم تدخل في أي نزاعات اقليمية، ولم تكن طرفا في صراعات داخلية أو تمويل انقلابات، وخلافا لذلك نالت ثقة الجميع للوساطة بين المتنازعين والأخوة المتخاصمين كما حدث في دارفور ولبنان وفلسطين واليمن وإرتيريا، ولم تكن لتلعب هذا الدور لولا اتخاذها مسافة واحدة من جميع الأطراف، هذا على الصعيد المحلي. أما على الصعيد الدولي فقط كانت وسيطا مقبولا من الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، العدوان اللدودان، كما أنها وسيط مقبول بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الفصائل المسلحة في سوريا، والدليل على ذلك نجاح الوساطة القطرية بإطلاق سراح الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كورتيس الذي تم اختطافه في سوريا منذ عام 2012". والتي أكدت قطر أنها تحركت لإنقاذه من منطلق انساني وحرصا على حياة الأفراد وحقهم في الحرية والكرامة" وهو دعا وزير الخارجية الأمريكية إلى توجيه شكر للدوحة على جهودها.صحيح أن الدوحة تقف المنطقة الوسطى بين جميع الأطراف في عالمنا العربي المضطرب والذي يمور مورا، لكنها تؤكد أنها وسطية في الفكر والحكم والممارسة وانها "لا تدعم المجموعات المتطرفة التي من بينها تنظيم الدولة الإسلامية بأي شكل من الاشكال"، وهي التنظيمات التي يكتنفها الغموض من حيث النشأة والتمويل والتسليح".ومع أن الأخلاق تسقط من حسابات السياسيين إلا أن الوازع الأخلاقي هو منطلق السياسة القطرية، فتأييد الدوحة للثورات العربية وحق الشعوب العربية بالحرية والكرامة والعدالة ورفض الانقلابات، موقف أخلاقي مكلف، وربما كان الأرخص سياسيا هو السير في ركاب "القوى الإقليمية" المعادية للثورات وحق الشعوب العربية والمؤيدة للانقلابات، وهو ذات الموقف الأخلاقي الذي يدفع قطر لتأييد الشعب الفلسطيني وحقه بالحرية والاستقلال، وتأييدها للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في تصديها للعدوان الاسرائيلي الهمجي البربري الدموي، ومطالبها برفع الحصار عن غزة وحق الفلسطينيين أن يعيشوا مثل باقي الشعوب الحرة في العالم.هل تغرد الدوحة "خارج السرب"؟ إذا كان المقصود رفضها للاعتداء على حق الشعوب العربية في الحرية ورفض الاستبداد والدكتاتورية، فهي فعلا تغرد خارج السرب لأن السرب هنا ينعق لصالح الدكتاتورية والطغيان والاستبداد والقمع.هذا بالضبط ما حول قطر إلى "قوة إقليمية" خلافا لكتالوج " الجغرافيا السياسية" التي تعتمد مقاييس الحجم والمساحة وعدد السكان والقوة العسكرية، فقطر امتلكت "القوة الناعمة" التي تستند إلى الثقة والثبات والحياد والأخلاق، وهي معايير جديدة في عالم السياسة .