11 سبتمبر 2025
تسجيلجرى ما جرى ووقع ما وقع في المحروسة التي عانقت على مدى الأسابيع المنصرمة سحابات الدم والقتل المتبادل وهو ما يستدعي السعي بكل قوة لإجهاض هذه الحالة غير المسبوقة في تاريخها سواء القديم أو الحديث ولملمة جراحها، ولاشك عندي أن حقن الدماء بات فريضة واجبة على الجميع، فهي دماء مصريين بالأساس. إن السبل تتعدد للوصول إلى هذا الهدف الحلم، حتى تعود إلى مصر عافيتها الوطنية والقومية وتبدأ في التشكل مجددا وطنا للجميع دونما إقصاء أو إبعاد فئة أو شريحة أو فصيل وطني مادام ملتزما بالمحددات السلمية والسياسية ولا يلجأ إلى العنف أو القتل لتحقيق مطالبه سواء أكانت مشروعة أو غير مشروعة. بيد أن سبيلا واحدا هو المطلوب الآن وبإلحاح يتجلى بداية في عودة مختلف الأطراف إلى الحوار وتجنب الضغط على الزناد أو الهجوم على منشأة حيوية تابعة للدولة أو لكنيسة أو حتى مسجد أو ممتلكات الناس. وقد يتساءل البعض عن جدوى الحوار بعد كل هذا الألم الذي لحق بالجميع من فرط استخدام لغة الدم خلال الأسابيع الأخيرة مما جعل الخوف والترويع عنوانا للمرحلة؟ لكني أقول ومن منطلق الانتماء إلى خانة ثورة الثلاثين من يونيو التي جاءت تصحيحا لمسار ثورة الثلاثين من يناير التي انتهكت مبادئها وكادت أن تجهض أشواق المصريين التي أشعلتها: إن الحوار هو المدخل الحقيقي والعملي والصائب لإعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية التي تقوم في المحروسة على المواطنة وذلك يستوجب بصورة ملحة أن توقف جماعة الإخوان المسلمين وأخواتها من الجماعات المتحالفة معها مسلسل العنف الذي يبدو أنها وقعت في فخ الحسابات الخاطئة عندما انتهجته بعد سقوط حكمها وعزل الرئيس المنتمي إليها - الدكتور محمد مرسي - إثر غضبة شعبية عارمة تجلت في ذروتها في الثلاثين من يونيو الماضي عبر خروج الملايين إلى شوارع وميادين المحروسة بالقاهرة وكل محافظاتها السبع والعشرين بعد إرهاصات لم تستوعبها أو قل إنها تعاملت معها باستخفاف من منظور امتلاكها هي ومرسي الشرعية الدستورية وسطوة قوة السلطة. وفي غضون ذلك فإن السلطة الانتقالية الحالية مطالبة بتجنب ما يمكن وصفه بالاتجاه الاستئصالي للجماعة ومسانديها بحيث لا تمتد إجراءاتها القانونية ضدها إلى جميع المنتمين إليها، فثمة عقلاء ورافضون لما أقدمت عليه قيادات الجماعة من الولوج في دائرة العنف للتعبير عن الرفض للتغييرات التي نجمت عن الثلاثين من يونيو ولو أصروا على الطابع السلمي فقط فلربما كانوا قد حصدوا نتائج أفضل عند الدخول في تطبيق خارطة الطريق التي تحظى بتأييد ومساندة مختلف القوى السياسية وفئات الشعب والتي تم إقرارها بالتنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة. ووفق قناعتي فإن الدوائر النافذة في السلطة الجديدة خاصة الرئاسة ومجلس الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة منحازة للخيارات التي تخاصم التوجه الاستئصالي الذي تدعو إليه بعض الاتجاهات المناوئة بشدة داخلها لجماعة الإخوان المسلمين وذلك إدراكا منها إلى أن بناء مصر الجديدة يتطلب مشاركة جميع القوى وهو ما نصت عليه خارطة المستقبل بداية عندما أكدت على مبدأ عدم الإقصاء بشرط البراءة من القتل والجريمة ودماء المصريين وهو ما يجعلني أناشد عقلاء الجماعة بأن يبادروا بإعادة صياغة رؤى جديدة تتجاوز أخطاء المرحلة الماضية سواء خلال فترة الحكم التي لم تتجاوز العام أو بعد الثلاثين من يونيو والتي أصر فيها البعض من قياداتها أو الملتصقين بالجماعة مثل الداعية الدكتور صفوت حجازي أو قيادات الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد والذين أشعلوا جذوة التحريض حتى قبل أن يسقط مرسي عندما أعلنوا استعدادهم بالتضحية بعشرات الألوف من أجل الدفاع عن الشرعية وأظن أن قيادات الجماعة بنوا تقديراتهم خلال تنظيم اعتصامي رابعة العدوية والنهضة وإعلائهم فيهما من خطاب التحدي والاستفزاز ضد السلطة القائمة في ضوء هذه المواقف التي لم تكن إلا من قبيل الانفعال ولم ترتكز على حقائق واقعية. ولعلي أشير هنا إلى ما أعلنه غير مرة الدكتور صفوت حجازي والذي كان واحدا من أهم رموز منصة العدوية من أن يرش مرسي بالمياه فنرشحه بالدم واستخدامه لغة التهديد والتحريض والتصعيد ولكنه سرعان ما تراجع عن كل ذلك فور اعتقاله وبدء التحقيق معه، بل إنه أنكر انتماءه إلى جماعة الإخوان المسلمين وذلك صحيح كما ولم يتورع عن اتهامها بأنها لا تحسن التصرف السياسي وأن مرسي ليس بمنأى عن المحاسبة مما أثار موجة من الغضب الشديد ضده ليس داخل الجماعة فحسب ولكن من خصومه الذين رأوا أنه لم يدافع عن قناعاته الحقيقية التي ظل أكثر من 45 يوما يرددها خلال فترة الاعتصام. إن المحروسة في حاجة إلى لملمة جراحها ويمكن في هذا السياق استغلال التحقيقات التي تجري الآن من قيادات الجماعة داخل السجون في إجراء نوع من الحوار معهم بشأن إمكانية مراجعة توجهاتهم وأفكارهم وسياساتهم حتى يكونوا جزءا من المشهد السياسي القادم وذلك في إطار المصالح العليا للوطن فلربما تضع أيام السجن المرء وجها لوجه أمام نفسه ويتوقف ليراجع ما حدث والأخطاء التي ارتكبت ويسأل نفسه بشفافية: هل الدماء التي سالت مبرر للإبقاء على شخص ما أو فصيل ما على رأس السلطة؟ أم أن الوطن هو الذي يتعين أن يحظى بالأولوية؟ ولاشك أن التحول المطلوب أو المراجعة المطلوبة تستوجب أن تقدم السلطة الجديدة بعضا من الحوافز التي يمكن أن تدفع بعضا من عقلاء الجماعة سواء داخل السجن أو خارجه إلى التحرك بإيجابية للانخراط في العملية السياسية الجديدة بحيث تكون رقما في متن معادلتها وليست على هامشها وفي مقدمة هذه الحوافز التأكيد على عدم إقصائها إذا ما التزمت بشروط المرحلة وفي مقدمتها نبذ العنف والإيمان بالحوار ولاشك عندي أن ذلك من شأنه أن يدفع الأطراف جميعا إلى الولوج في خانة المصالحة الوطنية الشاملة والتي تتوق إليها أشواق المصريين كل المصريين. السطر الأخير: في خانة عشقك أقيم أسافر فيك أيتها القصيدة الزاخرة بالسحر والدلال لا أبارح الخيمة أو أطالب الريح بالتوقف لأقرأ بوجهك ترانيم الجلال