16 سبتمبر 2025

تسجيل

عيدية نوري!!

26 أغسطس 2012

في مشهد لا يخلو من الفخر والزهو والخيلاء وقف نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي أمام الصحفيين وهو يعلن ميلاد العراق الجديد، العراق السعيد الديمقراطي القوي العائد بعد سنوات عجاف في الضلال والديكتاتورية والكبت والقيود.. اليوم يقول المالكي إن العراق عائد وإن حكومته قادرة على مسكِّ زمام الأمور والحكم بعد رحيل القوات الأميركية والمتحالفة معها عن أرض العراق، وأنه سيساهم شخصياً في إحلال السلام في سوريا من خلال تلبية حق الشعب هناك!!.. وإن الأمن مستتبّ في بغداد وباقي المحافظات وإن الإعلام يهوّل كثيراً ما يجري في العراق من أحداث و(انفجارات) تخلِّف (القليل) من الضحايا وليس كما تعلن عنها بعض وسائل الإعلام لا سيما (الجزيرة) والتي وعلى ما يبدو تلقى (تحفظاً خفياً) من السيد نوري المالكي إزاء أخبارها التي تنقلها عن دولته الفتية!.. اليوم يقول المالكي إن العراق عاد بقوّة وأنا أقول لك رحم الله العراق كان بحق (روسيا العرب) وبما إن روسيا قد اندثرت قوّتها منذ تفكّك دويلاتها الصغيرة فالعراق قد زالت هيبته وقوّته وعراقته منذ أن تآمر عليه بعض أخوته — حفظهم الله — وتحفز بوش الصغير لقتال وقتل شعب العراق بجيوش جرّارة كانت على حدود الخليج قبل أن يقرّ مجلس الأمن الحرب على العراق واجتثاث كرامته من أمام أعين أشقائه العرب.. نعم كان وليس ما هو قادم.. كان وليس ما هو على الصورة التي يودّ المالكي تصويرها للعالم لمجرد أنه على رأس السلطة في العراق.. فأمام الاعتراف المخيف، الذي أقدمت عليه وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية بوجود 2،5 مليون طفل يتيم منذ الحرب على العراق لا يمكننا أن نبارك للمالكي وأعوانه ميلاد العراق الجديد وأمام بكاء وحرمان هؤلاء الأطفال لا يمكننا أن نقول بوركت الأيادي.. لا يمكن أن نخفي هذه المأساة بورق لامع وما يختبئ تحتها دم ودمار ويتم وترمُّل وقتل وموت وفناء.. لا يمكن أن تولد دولة على جماجم بريئة يسأل أهلها بأي ذنب قُتلت.. لأن السؤال الأكبر الذي يمكن أن يجد المالكي وعصبته الوزارية أمامه ومطالبون بالإجابة عليه هو كم كان الثمن الذي دفعه الشعب العراقي في سبيل تنصيبكم ووصولكم لسدّة الحكم من دمه وماله وروحه ...و كرامته وأرضه وثرواته؟!!.. كيف يكون الميلاد وشهادة الموت لم تزل رطبة لم يجف حبرها؟!.. كيف هو العراق الجديد النابض بالتفجيرات والطائفية والفرقة والألغام والدسائس والاغتيالات بعد كان نبضه عزّة ومجد وجبروت وهيبة رغم الحصار الجائر الذي تعاون فيه معظم الدول العربية وكأن العراق كان صدام فقط؟!!. صدام.. تذكرونه بلا شك ويلومني الكثيرون حين أعلن تأييدي له رغم خبايا ملفه الذي تبارى العالم الأميركي والأجنبي بل والعربي على تصويره بالسواد والدماء والظلم.. ولو فكّر هؤلاء لوجدوا أن ما جرى ويجري في هذا البلد الآن لا يمكن أن يكون أجمل من الحياة التي عاشها في فترة صدام ثم أي دولة عربية ليس فيها حاكم مثل صدام وإن كان متخفياً وراء ابتسامة نفاق وكذب وخداع؟.. أي دولة وبلد عربي لا يعاني الشعب ضيم العيش وقلة الحيلة وانعدام اللقمة حتى وإن بدا ظاهرها يرفل بثوب العافية والصحة والرخاء المعيشي؟!!.. فلنكن صريحين وصادقين مع أنفسنا قبل أن نعلن إن المستقبل هو أفضل بألف مرّة من الماضي، ولنكن أكثر صدقاً ونقول إن الدول العربية التي طبّلت للعدوان على العراق وكانت مستعدّة لتقديم الغالي والنفيس لإزاحة صدام من على عرشه لخشيتها منه بعضها تقبع شعوبها تحت سوط المعتقلات الخفية والملاحقات الاستخبارية والكثير مما كان يقف حكامها للتنويه به عن صدام وكلنا يعرف مَن ولا داعي للبوح بما لا تقبله رقابة الصحف العربية ببوحه وعرضه!!.. وأنا وإن كنت أرى صدام شهيداً وأحسبه كذلك بإذن الله فإن طريقة موته قد جعلت منه بطلاً وجعلت من جلاديه مجرمين بعد أن ظنوا أن الشعب يراهم مُخلصين أبطالاً!!.. ولذا فليس على المالكي أن يرى في حاضر العراق سوى نتاج مؤسف لعدوان سافر واحتلال مذل أميركي لسنوات ست، ذاق فيها العراقيون الموت والهوان والدمار وهتك العرض وسلب الأرض وارتشفوا من كؤوس الذل في سجون القوات المتحالفة مثل سجن أبوغريب ما لا يمكن لأي عراقي أن ينسى تلك المناظر والمشاهذ المقزّزة.. ليس على السيد نوري أن يفرح اليوم لا سيما وأن مجيئه لم يكن محفوفاً بالورود وإنما على جثث ومقابر وصيحات 2،5 مليون يتيم طفل عراقي لا ذنب لهم سوى أن آباءهم عراقيون أبرياء قتلتهم آلة الحرب الأميركية وحرقتهم نار الطائفية التي تصرّ الحكومة العراقية الحالية على نكرانها رغم وضوحها.. اصمت يا نوري فإن كنت نوراً في بيتك وأسرتك فعد نفسك ظلاماً عند الكثيرين ولا يمكن لشمعة أن تطفئه!!.. هذه نصيحة مواطنة عربية كانت تعدّ نفسها عراقية في زمن صدام وتنأى بنفسها الآن أن تكون كذلك في عهد المالكيين.. هذه حرية وأنت بلا شكّ ستقبل هذه الحرية مادمت تدعو لها.. هكذا تبدأ الكذبة قبل أن يصدقها صاحبها!!. فاصلة أخيرة: أيقظوني عندما يمتلك الشعب زمامهْ عندما ينبسط العدل بلا حدٍّ أمامهْ عندما ينطق بالحقِ ولا يخشى الملامةْ عندما لا يستحي من لبس ثوب الاستقامةْ ويرى كل كنوز الأرض لا تعدل في الميزان مثقال كرامةْ — سوف تستيقظ... لكن ما الذي يدعوك للنوم إلى يوم القيامةْ؟!! ( أحمد مطر)