15 سبتمبر 2025
تسجيلالثورات العربية ستحقق هدفها و التاريخ يؤكد أن الشعب أبقى من حاكمه كثرت الكتابات والتحليلات السياسية التي تشير إلى أن ربيع الديمقراطية الذي يزهر في المنطقة العربية منذ بدايات العام الحالي، تحول بمرور الأيام إلى خريف مليء بالآلام والدماء كما هو حادث في كل من ليبيا واليمن وسوريا والبحرين. ويؤكد أصحاب هذه التحليلات على أنه حتى الدول التي نجحت فيها الثورات بشكل جزئي (تونس ومصر) تعاني هي الأخرى من إخفاقات وعقبات كبرى تحول دون استكمال نجاحها النهائي المتمثل في إسقاط النظام القائم وبناء نظام جديد يقوم على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان. ربما تكون هذه التحليلات صحيحة إذا تم النظر إلى الصورة العامة لتطورات الأحداث للثورات العربية حيث مشهد الدماء مازال هو المسيطر حتى في تلك البلدان التي سقط فيها رأس النظام. لكن مع التعمق في هذا المشهد والابتعاد قليلا عن قشوره الخارجية سوف نجد أن الأمر مختلف، وأن الربيع العربي ما زال في بداياته ولم يتحول إلى خريف ..لا بل إنه لن يتوقف حتى يستكمل طريقه ويحقق هدفه. من المعروف أن حركة الشعوب عادة تكون بطيئة، خاصة إذا كانت هذه الشعوب واقعة تحت نير الاستبداد والاستعباد لعقود طويلة كما هو حال الشعوب العربية التي استعبدتها النخب التي ورثت الحكم من الاستعمار الغربي مع نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين. إضافة إلى ذلك فإن الحركة البطيئة هذه تزداد في حال كانت تمثل ثورة شعبية الهدف منها إسقاط نظام الحكم نظرا لرد الفعل العنيف الذي يواجه به النظام القائم تلك الحركة .. وهو ما نشاهده حاليا. لكن في المقابل هناك صفتان أساسيتان تميزان حركة الشعوب في مثل هذه الحالة، وهي صفة التراكمية بمعنى تراكم الخطوات والانجازات التي تحققها الشعوب في طريقها نحو تحقيق هدفها النهائي. والصفة الثانية تتمثل في إصرار الشعوب على الوصول لذلك الهدف مهما كانت التضحيات. وإذا ما نظرنا إلى الثورات العربية فسنجد أنها تتصف بهاتين الصفتين. فكل يوم هناك انجازات تتراكم وهو ما يدفع الشعوب الثائرة إلى الاستمرار في ثورتها والإصرار على تحقيق هدفها. من ناحية ثانية يبدوا الهدف النهائي الذي تسعى إليه الشعوب العربية معقدا ومتشعبا فهو لا يتعلق فقط بإسقاط النظم الحاكمة فقط، ولكنه يتضمن أيضا عملية تصحيح كبرى للانحراف الذي أصاب التاريخ العربي في منتصف القرن العشرين والذي نتج عنه فشل النخب الحاكمة في بناء الدولة العربية الحديثة القائمة على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث أقامت بدلا منها كانتونات طائفية وعشائرية تقوم على حكم الأسرة أو القبيلة، وساعدها على ذلك توافق مصالحها الشخصية مع مصالح الدول الغربية التي قدمت لها كل أنواع الدعم المادي والسياسي من أجل استمرارها في الحكم للحفاظ على مصالحها ولمنع قيام دول عربية قوية تكون مقدمة لبناء الدولة العربية الواحدة التي ستكون قادرة ليس فقط على التأثير في قواعد الصراع الدولي بل تغيير هذه القواعد لصالحها كما يخبرنا التاريخ دائما. من هنا يبدو أن هذا الهدف التاريخي بحاجة إلى وقت كبير نوعا ما لتحقيقه. فتلك الكانتونات الطائفية والعشائرية لن تستسلم بسهولة ولن تتنازل عن المغانم التي تحصل عليها من سيطرتها على السلطة والثروة، ولذا فهي ستقاتل حتى النهاية، خاصة وأن هناك قوى داخلية وخارجية تقف إلى جوارها في ذات الخندق. ففي الداخل هناك القوى المستفيدة من أنظمة الحكم هذه من حيث حصولها على جزء من الثروة والسلطة. وفي الخارج هناك كما قلنا القوى الغربية التي تتلاقى مصالحها مع مصالح تلك النظم، رغم أن الموقف المعلن لتلك القوى هو الوقوف إلى جانب الشعوب العربية في سعيها للحصول على حريتها واستقلالها .. لكنها سياسة ذر الرماد في العيون. لذا فمن الطبيعي ومن المتوقع أن تستمر الثورات العربية لفترة زمنية طويلة حتى تستطيع إنجاز هذا التحول التاريخي، خاصة وأن المشهد المتماثل في كافة الدول العربية التي تشهد هذه الثورات، يؤكد أن شعوبها قد حسمت أمرها لصالح الاستمرار في إنجاز المهمة مهما كانت التضحيات التي شملت حتى الآن آلاف القتلى والجرحى وعشرات الآلاف من المعتقلين والمغيبين. وهي بالتأكيد ستحقق هدفها لأن حقائق التاريخ تؤكد أن الشعب دائما أقوى وأبقى من حاكمه .. فالحكام يموتون والنظم تسقط .. لكن تبقى الشعوب.