سدد فاتورتك.. لنفسك

كم من الديون التي يجب على الإنسان أن يسددها للبنوك أو الآخرين أو الدولة ؟ هناك فواتير صعب سدادها، لأنها أغلى من كل أموال الدنيا، إنها ديونك لنفسك.. نعم، ديونك لنفسك أنت.. لذاتك.. لروحك. هل تساءلت عن حجم التضحيات التي تقدمها للآخرين؟ هل أحصيت آلاف الساعات من المجاملات التي أظهرتها للناس وتألمت بعدها أو لازلت؟ هل تذكر كم حجم الجهود التي قدمتها من أجل تحقيق أهداف المؤسسة التي تعمل فيها؟ جهود مختلفة بعضها ظاهر وبعضها خفي ؟. كل هذه الجهود يجب عليك في المقابل أن تكافئ نفسك بالراحة والمتعة والترفيه، كل جهد تقوم فيه هو استهلاك لبدنك وفكرك ومالك ووقتك، أنت تعطي الجميع وتنسى فاتورتك لنفسك.. ما تسددها. النوم هو أحد طرق مكافأة الذات، وكذلك المرح، والاسترخاء، والسكينة، والمساحة الشخصية، كلها نماذج لرد الجميل منك لك، لا تصل إلى المرحلة التي لا تستطيع أن تنقذ نفسك،لأنها استنفدت كل ما لديها من مدد. أحزنني سمو أمير الكويت أمير الإنسانية – الله يُشافيه ويُعافيه - وهو يُنقل بطائرة خاصة للعلاج إلى الولايات المتحدة، دعوت له كثيراً طول تلك الليلة وكنت أتساءل: كم هي المرات التي انتبه هذا الرجل العملاق إلى نفسه وفكر لها؟، وتوقف عن حمل هموم شعبه وإقليمه حتى المجتمع الدولي. في مقالة ممتعة عرضت في موقع " اصنع عادات جيدة" تم رصد أكثر من مائة وخمسين طريقة لمكافأة الذات وحمايتها من الاحتراق والسقوط، قبل خمس سنوات أعجبني الشاعر الدكتور عبدالله باشراحيل عندما أنفق مئات الآلاف من الدولارات للاحتفال بنفسه، حين أصبح عمر إنتاجه الشعري الأول خمسين عاما، آلاف الشخصيات من كل دول العالم حضرت هذا الحفل الأسطوري، وكنت أنا من بين المدعوين فـهمس في أذني قائلا: أريد أن ابتهج بإنتاجي وأكافئ نفسي؛ بدلاً من أن يصنعوا حفلاً لتكريمي بعد وفاتي. لنجعل أنفسنا على قائمة أولوياتنا كي نستطيع أن نشحنها بالطاقة اللازمة للاستمرار والعطاء. من منكم يذكر تعليمات الأمن داخل الطائرة التي من ضمنها في حالة انخفاض الضغط الجوي، قم بوضع كمام الأكسجين لك أولاً قبل مساعدة الآخرين، هذا هو الصح، فالهدف أن تتمكن – بإذن الله – من البقاء كي تستطيع مساعدة الأطفال وباقي من حولك. برنامج أوبرا وينفري الأمريكي الشهير الذي ظل مستمراً لسنوات، تقابل فيه المذيعة السمراء كبار الشخصيات وتختار الموضوعات المنوعة، سألها أحد ضيوفها قادم من بريطانيا سؤالاً عكسياً هجومياً: أنت أوبرا كيف استطعت الانتقال من الفقر والاضطهاد في مرحلة الطفولة إلى أشهر وأغنى مذيعة في العالم أجابت بجملة واحدة: بعد كل حلقة أقوم بمكافأة نفسي بشيء محبب إلى نفسي، لا أفكر في الحلقة التي تليها وابتسم كثيراً. كل واحد منا الآن عليه أن يصنع كشف حساب مع الذات، ولنكن أمناء في رصد الديون التي علينا، فإنقاذ النفس وتكريمها في الوقت الحالي أفضل من سداد شيكات مؤجلة قد لا يكفي الرصيد لاحقاً لصرفها. وأنت تقرأ المقالة حالياً تتذكر كم أجحفت في حق نفسك ولم تستمتع بالحياة كما يجب. ما أعنيه هو المكافأة الذاتية عن كل جهد تقوم به، ولا أقصد " الرخامة" أو " البلادة". المرأة عندما تنجز نجاحات في بيتها أو مع أولادها أو في مجال عملها، والرجل عندما يحقق قيمة مضافة لأهله أو لمؤسسته الخاصة أو لمجتمعه، الابن عندما يخطو نحو الإبداع الذي يحتاجه هو شخصيا أو تحتاجه منه البلد. الموظف عندما يؤدي عمله على الوجه الأكمل، شيف المطعم عندما يتفانى في إتقان الطبق المحبب للآخرين، الاقتصادي الذي يفكر باحترافية في استجلاب دخل قومي أعلى للوطن.. والأمثلة الحياتية غير منتهية للعطاء... الذي يجب أن يعقبه مباشرة مكافأة الذات. لا تؤجل هذه الخطوة الإيجابية في الاحتفال بأي منجز تقوم به، فهذا هو سداد الدين لنفسك التي بذلت وأعطت، مهما اختلفت صور هذا السداد فهو مهم. آخر المطاف: يقول الله تعالى" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر". دمتم بود جامعة قطر [email protected]