12 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا.. محاولة للفهم

26 يوليو 2015

رغم المحاولات الحثيثة للحكومة التركية بتصفير المشاكل مع الجوار، بهدف التركيز على الجوانب التنموية والارتقاء بالوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي في تركيا، لم تنجح انقرة بتحقيق ذلك بسبب الحدود الملتهبة التي تحيط بتركيا، خاصة العراق وسوريا، هذا على الصعيد الخارجي، أما على الصعيد الداخلي فقد نجحت تركيا بالحفاظ على مسيرتها الديمقراطية ونموها الاقتصادي، ورفع مستويات المعيشة للمواطنين، رغم النار المستعرة في الجوار، وهي نجاحات تسجل باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الذي يقود البلاد منذ عام 2002. لكن المعادلة التركية تغيرت الآن من "النأي بالنفس" و"صفر مشاكل" إلى التدخل المباشر في الحرب، بعد أن وصلت النيران إلى الداخل التركي، وباتت تهدد الأراضي التركية مواطنيها، وبدأت الآلة العسكرية التركية بالعمل، من خلال القصف الجوي والبري، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، وحزب العمال الكردستاني، في محاولة لدفع الضرر عن تركيا. هذه المعادلة الجديدة ربما تكون مفيدة، لكنها تحمل أخطارا جسيمة أيضا، فقد تتدحرج الأمور إلى تورط تركي كامل في الحرب السورية، وهي ورطة نأت أمريكا والغرب وروسيا عن التورط فيها مباشرة، وإذا ما حدث ذلك فإن سوريا قد تتحول إلى "مصيدة" لانهاك تركيا واستنزاف اقتصادها وإشغال جيشها وشل قدرتها على التأثير الإقليمي بسبب الانكفاء والتركيز على الوضع الداخلي وحل المشاكل المتعلقة بالجوار السوري والعراقي والإيراني. يكفي الإشارة أنه خلال شهرين شهدت تركيا 121 هجوما مسلحا و281 "عملا إرهابيا" بينها 15 عملية خطف منذ الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من حزيران/يونيو، كما قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو. وهي حصيلة كبيرة لبلد يفترض أنه يتمتع بدرجة عالية من الاستقرار السياسي والاقتصادي، والهدف من هذه الهجمات هو زعزعة الوضع الداخلي في تركيا ودفعها إلى أتون الاضطراب. وجرها إلى التورط في سوريا. المشكلة أن تركيا تعيش الآن على وقع نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي، والتي نزعت الأغلبية المطلقة من حزب العدالة والتنمية، وتوزعت الأصوات بطريقة لا تمكن أردوغان من الحكم منفردا، وإجباره بالتالي على تشكيل حكومة ائتلافية مما سيفرض عليه تقديم تنازلات سياسية "داخلية وخارجية"، أو اللجوء إلى انتخابات مبكرة لحسم المسألة شعبيا، لكن تسارع الأحداث لا يحتمل التسويف والتأجيل والمماطلات والمماحكات وإضاعة الوقت، فالأحداث تتدحرج بسرعة في المنطقة، وكرة النار حول تركيا تكبر يوما بعد يوم. إلى جانب هذه المعضلة الداخلية، يوجد حالة من التباين بين تركيا وشركائها في حلف شمال الأطلسي، ففي الوقت الذي تطالب فيه تركيا بدحر تنظيم الدولة الإسلامية ونظام بشار الأسد معا وفي وقت واحد، تصر أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا على تركيز الحرب على تنظيم الدولة فقط، دون الموافقة على إسقاط نظام الأسد الذي يعتبر الخزان الرئيسي لوقود النار في سوريا، وترفض أمريكا وحلفاؤها في حلف النيتو إقامة "منطقة عازلة" في سوريا لحماية الشعب السوري من براميل الأسد المتفجرة، مما يخلق فجوة بين الاهداف التركية والغربية في سوريا، وهي الأهداف التي سبق أن أعلنتها أنقرة كشروط مسبقة من أجل الدخول في الحرب. من الناحية العملية دخلت تركيا في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وأعلنت أنها ستقيم منطقة عازلة بموافقة أمريكية كما أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. هذا الإعلان يشكل عنصرا جديدا في المعادلة الإقليمية في سوريا، لأن حماية هذه "المناطق الآمنة" يتطلب استخدام قوة عسكرية وجوية. ويعني تغير قواعد اللعبة والاشتباك، السياسي والعسكري، التركي في المنطقة، مما يعني أيضا أن تركيا باتت في حالة حرب فعلية مع تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا، الأمر الذي سترتب عليه تغييرا كبيرا في خارطة التحركات السياسية والعسكرية في المنطقة، بانتظار ردود فعل الفاعلين اللاعبين الآخرين مثل إيران والسعودية، ومواقف الدول الكبرى من هذا التغيير.