16 سبتمبر 2025
تسجيلأذكر لك أخي القارئ الكريم، أمثلة على ما يكون لله في قدره من حكمة، تخفى على خلقه، فيها كل الرحمة والخير والنجاة لعباده المؤمنين، ما إذا علموها، كان منهم الحمد والثناء، على ما أصابهم من قضاء، حسبوا أنه من البلاء، وهي أمثلة ورد ذكرها في القرآن، منها ما جاء في سورة الكهف، ونحن جميعاً نعرفها، قد مررنا بها كثيراً، ولكن ليس كثير منا من وقف عندها متأملاً متدبراً متفكرا، نذكّر بها فإن في التذكير نفع وعظة لقومٍ مؤمنين.تلك الأمثلة باختصار شديد، هي في قصة موسى عليه الصلاة والسلام، مع العبد الصالح الخضر، وما جرى ضمنها من أحداثٍ، أولها أنْ قتل الخضر غلاماً، وحينذاك لم يكن من موسى، إلا أن صاح به مستنكراً مستغرباً: (أقتلت نفساً زكية بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نُكْرا)، فبين له الخضر السبب لاحقاً قائلاً: (وأمّا الغلامُ فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا. فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاةً وأقربَ رحما)، فالذي بدا لموسى عليه الصلاة والسلام، أنّ تلك جريمة نكراءُ شنعاء، وبدا للأبوين بطبيعة الحال، أنّ موت ابنهما مصيبة وفاجعة، من أشد ما ينزل من البلايا، على حين أن في ذلك كل الرحمة واللطفِ والرعاية، قد قدّره الله لهما، لأنهما مؤمنان يحبهما الله جل وعلا. وكذلك الحال في باقي أحداث القصة، من إقامة الجدار لأهل القرية اللئام، وخَرْق سفينة القوم المساكين، التي تُرينا جميعها، وتُظهر لنا قصور نظرنا، وضعف فكرنا، عن إدراك حكمة الله فيما قضى، مما يوجب علينا الصبر، الذي يهدي إلى التسليم والرضا، كما أشار إليه الخضر في مَعْرِض محاورته موسى عليه السلام، (قال إنك لن تستطيع معي صبرا).ومن الأمثلة أيضاً، ما جاء في سورة يوسف، التي تحكي قصة نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام، بدءاً من إلقاء إخوته إياه في غَيْهَب الجُّب، فالتقاط السيارة له، ثم بيعه لعزيز مصر، ثم ما وقع له من أحداثٍ في بيت العزيز، أفضت إلى دخوله السجن، ومكثه فيه بضع سنين، والبضع ما بين الثلاث إلى التسع، وهو من هو عليه السلام، كما في الصحيح: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف ابنُ يعقوبَ بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام)، قد لبث في السجن عدد سنينٍ من الصبر والحلم والرضا، حتى قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (لو لبثت في السجن ما لبث يوسفُ، ثم جاءني الداعي لأجبتُ، إذ جاءه الرسول فقال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهنَّ). حتى نمى خبره إلى ملك مصر، وعلم نباهة شأنه، فاستخلصه لنفسه، وقربه وجعله لديه مكيناً أمينا. قال تعالى عن مقاديره تلك: (كذلك مكنّا ليوسفَ في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)، غالبٌ على أمره، أي لا يعجزه شيءٌ، قادرٌ على كل أمرٍ يريده، هذه هي عقيدة المؤمن، وما يجب أن يوقن به، وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يدعو الله أنْ ينال الشهادة، وقد صار أميراً للمؤمنين، لا يخرج للغزو كما كان يفعل من قبل، فعجب بعضهم من ذلك، فقال للمتعجبين: (إذا أراد الله أمراً ساقه)، وكما عبّر عن هذا المعنى الشاعر كعب بن زهير في قصيدته المشهورة بانت سعاد، قائلاً: (فكل ما قدّر الرحمن مفعول). وقال سبحانه أيضاً: (وكذلك مكنّا ليوسفَ في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نُضيع أجر المحسنين)، وقال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: (إنه من يتقِ ويصبر فإن الله لا يضيعُ أجر المحسنين)، وقال جل وعلا حكاية أيضاً عن يوسف عليه السلام: (إنّ ربي لطيفٌ لما يشاءُ إنه هو العليم الحكيم)، أي إذا أراد شيئاً هيّأ له الأسباب، حتى يحصل، وإني أنصح أن تتلى هذه السورة بتدبر، مع قراءة تفسيرها، لما فيها من فوائدَ وعبر ومعانٍ عظيمة.