18 سبتمبر 2025

تسجيل

الدين المعاملة

26 يوليو 2013

ثمة حديث مشهور للنبي عليه الصلاة والسلام، أظن أن السواد الأعظم من المسلمين قد سمعوا به، إن لم يكونوا يحفظونه، ولكن مما يؤسف له أن القليل منهم من عقله وفقهه، وعمل بموجبه واهتدى بهديه، وهذه هي آفة الكثير من الناس في زمننا الحاضر، أنهم لا ينتفعون بعلمهم ولا يظهر أثره في أفعالهم وتعاملاتهم، ولا يغير منهم شيئاً ظاهراً أو باطناً، إما لأن القلوب باتت غلفاً لا يصل إليها العلم ولا يتعدى سوى الآذان، أو لأنهم على الأرجح لا يعملون بما يعلمون. الحديث الذي أعنيه هو قوله عليه الصلاة والسلام: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت، ثم طرح في النار). كعادته عليه الصلاة والسلام، في استخدام أسلوب إلقاء السؤال لإيصال المعلومة إلى عقول أصحابه بعد أن يهيئهم لتلقيها، قال: أتدرون من المفلس، ولكنّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في هذه المرة لم يقولوا كما في أحاديث كثيرة الله ورسوله أعلم؛ لأنه لم يخطر ببالهم ويدر بخلدهم، أن صفة المفلس يمكن أن تشير إلى غير ما يعلمونه من مدلولها، فقالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، بالمفهوم المتعارف عليه في الحياة الدنيا،لذا لم ينكر عليهم رسول الله ويقل: لا ليس كذلك، وإنما بيّن لهم وجلّى الصورة عن ماهية المفلس الحقيقي بميزان الآخرة، ولو كان في دنيا المعاش، من أصحاب الأثاث والرياش، فالمفلس في نظر نبي الإسلام من أقام الدين من جانب العبادة فقط، وترك القيام بجانب المعاملات التي أساسها، الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة، من الإحسان والعدل، والأمانة والصدق، والحياء والوفاء...وغيرها، فلم يقم الدين قياماً صحيحاً سوياً على صراط مستقيم، يكفل له النجاة والفوز عند الوقوف بين يدي الله يوم الحساب، فمثله كمثل القائم على ساقٍ واحدة، هل ستخطو به للأمام ويستطيع السير عليها بانتظام؟. تراه يتعبد الله بالصلاة والصيام والزكاة، وغير تلك العبادات فهذه أمثلة قصد بها النبي عليه الصلاة والسلام ضرب المثال، وخصها بالذكر لأهميتها وشرفها، ولكونها فرائض لازمة من أركان الإسلام، وهذا المفلس – نسأل الله السلامة في الدين والدنيا والآخرة – قد فعلها بما يوافق سنة النبي وخالصة لوجه الله، طاهرة من الرياء، بدليل وجود ثوابها في ميزان حسناته، ولكن لنكد جهله، وسقم فهمه، ونحس حظه، وسوء خلقه، لا يكون له خلاق يوم التلاق ويا لها من حسرة وإخفاق!!، وما ذاك إلا لفساد معاملاته وأخلاقه وهضمه حقوق الناس وتعديه عليهم قولاً وفعلاً، بأن أطلق لسانه بالسباب والشتم والقذف والغيبة والنميمة، واستطالت يده بالضرب والسفك، وأخذ ما لا يحل له، كل أولئك على سبيل المثال لا الحصر، من صور التجرؤ على الظلم والجور والإساءة في معاملة الناس، التي تنم عن سوء الأخلاق وخبث الطباع. نكمل حديثنا غداً بمشيئة الله تعالى، والسلام ختام.