18 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يصدر المشرق العربي أزماته إلى المغرب الإسلامي؟

26 يونيو 2020

توضيح بسيط لمصطلحات عنوان مقالي: أنا لم أرتكب خطأ حين وصفت المشرق بالعربي والمغرب بالإسلامي بل صوبت أخطاء تاريخية لابد اليوم من تصحيحها، لأن الحقيقة هي أن المشرق بشامه وفلسطينه ومصره وأردنه ولبنانه تجمع بين شعوبه العروبة ويفرقهم الإسلام، لأن من بينهم إخوة لنا مسيحيين وطنيين قدموا في أدبهم للعربية أروع الخدمات ولأوطانهم نعمة الاستقلال، أما الشعوب المغاربية فتفرقهم العروبة (بمعناها العرقي) ويجمعهم الإسلام، لأن من بيننا إخوة أمازيغ ليسوا عرباً حتى لو انصهروا عبر القرون في عروبتنا وطبعا في إسلامنا، لكن الدين يجمعنا وهو رابط قوي لن ينفصم، وسؤالي كان هل يصدر المشرق إلى المغرب أزماته؟ الجواب نعم لأن الأزمة الليبية تعقدت وأصبحت تهدد أمن الإقليم وسلام البحر الأبيض المتوسط، وكما تعلمون جميعا تسعى ليبيا نحو الأنموذج السوري بسرعة بسبب مطامع القوى العظمى والمتوسطة في غنيمتين هما: الثروات النفطية والموقع الإستراتيجي، وكنا نحسب منذ عام 2011 أن الشعب الليبي الواعي استخلص دروس انهيار الاستبداد الأبله مع رحيل العقيد وتطلع كبقية الشعوب إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية يدرك الليبيون أنها صمام الأمان الأنجع في مقاومة الظلم والاستبداد والأكبر لإنشاء مجتمع متوازن عادل سليم، لكن الذي وقع بداية من 2011 خيب الآمال وخلط أوراق اللعبة الإستراتيجية الدقيقة وبعثر قواعدها، فمرت ليبيا بمرحلة خمسة أعوام من الفوضى وانعدام الدولة (كما كانت مع القذافي والفاتح... العظيم!) فوقعت تجاوزات مسلحة خطيرة وأخطأت دبلوماسية تونس في حكومة الترويكا تقدير الوضع الليبي فقام المرزوقي بزيارة ليبيا في مناخ الفوضى بل حدد أين هي الشرعية دون معرفة دقيقة للعبة الأمم ساعتها وحين سلمت السلطات التونسية الهشة رئيس الحكومة الليبية السيد البغدادي المحمودي وهو طبيب أراد إصلاح الوضع وإنقاذ ما تبقى من المؤسسات وكانت خطيئة سياسية ارتكبها منصف المرزوقي في قرطاج وحمادي الجبالي في القصبة في حق رجل استجار بتونس فسلموه للميليشيات بدعوى أنه تم تسليمه "للقضاء!!!" الليبي. مع العلم أن المرزوقي والجبالي تربطني بهما صداقة قديمة لكني نصحت بعدم تسليم الرجل المستجير (حتى يبلغ مأمنه) كما أمرنا الله سبحانه، أما الأخطر الذي أصاب ليبيا والمنطقة برمتها فهو استخدام أجهزة المخابرات الأمريكية - الإسرائيلية ورقة أحد الهاربين إلى أمريكا منذ عشرين عاماً بعد أن أطلق سراحه من سجن تشادي الضابط خليفة حفتر كورقة تخلط الأوراق وتوقف مسار الشرعية التي تمكنت حكومة الوفاق من الحصول عليها كنواة لدولة مدنية عاصمتها طرابلس حين استقر لها أمر الدولة، فكان الحل الاستعماري جاهزاً لتنفيذ صفقة القرن وهذه الصفقة هي الغاية من كل لعبة الأمم في المشرق والمغرب لأنها تطمع في تصفية القضية الفلسطينية نهائيا وإلغاء كل حقوق الشعب الفلسطيني تماما بضخ المليارات المدفوعة من قبل أولياء العهد الخليجيين بما يحقق حلم (إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات)، فكانت ليبيا هي التي استهدفها مهندسو صفقة العار لأنهم لا يريدون شعباً ليبياً حراً بل يريدونه هشاً مكبلاً تحت حكم عسكري على الطريقة المصرية التي نجحوا فيها إلى حين وأجهضوا ثورة شبابها واغتالوا رئيسها المدني الشرعي كما اغتالوا الديمقراطية الشهيدة. وهذه مصر اليوم على لسان رئيسها المنقلب على الشرعية المصرية تعلن استعدادها للانقلاب على الشرعية الليبية للرد على هزيمة حفتر النكراء أمام قوات الوفاق، وكما أعلن السيسي فإنه يعتبر (سيرت) خطاً أحمر كأنما تقع سيرت بين القاهرة والإسكندرية أو في الصعيد! تركيا تساند الشرعية وبطلب من الشرعية جاءت القوات التركية لمنع مذابح ارتكبها متمردو حفتر وعثرت بعثة الأمم المتحدة على مقابر جماعية لضحايا أعدمهم إرهابي هو الذراع اليمنى لحفتر اسمه محمود الورفلي المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية خلال ثلاثة أعوام، فتصوروا ماذا كان سيحدث من مجازر لولا قدر الله تمكنت ميليشيات حفتر من اقتحام طرابلس ولو لم يتدخل الجيش التركي لمنع المجازر! ثم إن روسيا وبعض الدول الأوروبية وبعض الدول الخليجية ومصر ومرتزقة الجنجويد السوداني يحاربون الحكومة الشرعية وتناسى بعض الأوروبيين الذين أثاروا رابط البحر الأبيض المتوسط بينهم وبين ليبيا بأن تركيا دولة متوسطية أيضا بل إن هذا البحر كان يطلق عليه من القرن الخامس عشر م إلى القرن التاسع عشر اسم (البحر العثماني أو بحر الإسلام) ولم تكن أساطيل إسبانيا تعبره إلا بعد ترخيص من السلطان العثماني، ثم إن لتركيا خط حدود بحرية مع ليبيا يمنع إسرائيل من تصدير غاز وبترول فلسطين إلى أوروبا عبر المتوسط! إننا محتاجون في قيادات الدول المغاربية لمعرفة التاريخ والجغرافيا وتحليل المواقف الدولية ومصالح اللوبيات إزاء الأزمة الليبية واتخاذ المواقف الواضحة التي لا تعومها عبارات دبلوماسية تميعها وتجعل من دولنا تونس والجزائر والمغرب مجرد كومبارس في أخطر بؤرة حرب حاسمة بين قطب صفقة القرن وقطب صفقة الحق الفلسطيني والعربي في الحرية والعدالة والسلام والدولة المدنية. [email protected]