30 أكتوبر 2025
تسجيلإن جميع الناس لهم الحقوق الإنسانية كبشر أمام ربهم، وإنما يتميز الناس عند ربهم بمدى تقواهم وإيمانهم وحسن أخلاقهم، وكم كان حرص محمد صلى الله عليه وسلم على إبراز هذا المعنى الإنساني واضحا في تعاملاته وسلوكياته مع غير المسلمين، فالذي ينظر إلى الرسالة المحمدية يجدها قد حفظت كرامة الإنسان ورفعت قدره، فالناس بنو آدم سواء المسلم وغير المسلم وقد كرم الله بني آدم جميعا، إن السيئة إذا قوبلت دائما بالسيئة أحرقت الصدور وأورثت الأحقاد وأنبتت الضغائن، أما إذا قوبلت السيئة بالحسنة أطفأت أثوار الغضب وهدأت من فورة النفس وغسلت أدران الضغينة، وإنه لفوز عظيم لمن دفع السيئة بالتي هي أحسن ولا ينال ذلك إلا ذو حظ عظيم، فلدوام الألفة بينك وبين من تتعامل معهم من بني البشر حسن المعاشرة واستمرار التعاون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعود المرضى من غير المسلمين فقد عاد الغلام اليهودي لما مرض، وحرص على القيام بحقوقهم في الجوار فشمل هديه كل جار حتى لو كان من غير المسلمين، ولم يأت الهدي النبوي ليسلب الحرية من الذين لم يتبعوه، بل قد تعامل معهم بتسامح نادر الحدوث.ما أجمل أن ترى الألفة والمحبة والرحمة بين الصائمين، فأخلاق الصائم ينبغي أن تقوم على التسامح وليعلم إذا أصابه أحد بسوء فليقل إني صائم حتى يعلم نفسه أنه في حالة إيمانية عالية، لأن المجتمع الإيماني لا تقوم المعاملة بين أفراده على المؤاخذة والمحاسبة والانتصار للذات والانتصاف لها في كل صغيرة وكبيرة وإنما تقوم فيه المعاملة بين الأفراد على المسامحة والتغاضي والصفح والصبر، فلو تأملت في كلمة التسامح والرحمة لوجدت أنها عذبة في اللسان سلسلة ورقيقة في المنطوقِ، ذات رنين جميل في السماع، لكنها ثقيلة على النفس يقبلها العقل كلمة مجردة لكنه يجد كلفة ومشقة في تطبيقها في الواقع، فما الذي يمنع كثيرا من البشر من تطبيقها، ورفضِ التخلق بها وتحبيذ الغلظة والحدة والغضب والكبرياءِ بديلا عنها؟ المسامح كريم ورحيم بالناس، وإن هذا الكرم يصدر من نفسٍ زكية واسعة لا تضيق من أغلاط الناسِ، ولا تتكدر من سقطات النفوس ولا تهيج لاستفزازاتهم، فالرحمة كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراف والأمم كلها، فإن ذلك يعني الصفح عمن أخطأ عليك أو تجاوز حده أو اختلف معك، فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزغات الشيطان وهو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض، أما الإصرار على رفضه فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين، وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب مظلم، فالتعايش والتفاهم والتعاون بين الأمم والخلق أمر تحتاجه الإنسانية، ولقد سلك القرآن الكريم أبرع أسلوب في دفع النفس الإنسانية إلى ذلك المرتقى العالي الصعب، إذ بيّن لنا عبر آياته البينات، أن الذي أصابه البغي له أن ينتصر لنفسه ويرد عنها البغي والعدوان ولكنه لم يدع الإنسان الذي أصابه الحيف والبغي من أخيه لعاطفة التشفي والانتصار والانتقام، بل أخذ بيده برفق إلى مرتقى الصبر والغفران والتسامح وأكد له أن بلوغ ذلك المرتقى من عزم الأمور، فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، فهذه معان قرآنية محكمة من أصول الدين تدل على أخلاقه الإسلامية الأصيلة، التي شرعها الإسلام لأبنائه وحث عليها قبل أن تولد الفلسفة في الفكر الحديث، وهذا هو خلق المؤمن حيث تضافر الهدي النبوي على تأصيله في نفوسهم، ومن هنا يتطلب من المؤمن المعاملة الحسنة مع كل الخلق.