13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يطرح تقرير صادر عن تشاتم هاوس (أهم ثنك ثانك في بريطانيا) سؤالين مترابطين أولهما فيما إذا كانت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد السوري في السنوات الأربع الأخيرة ستفضي إلى انهيار عسكري لقوات بشار الأسد، وثانيهما فيما إذ كان استمرار معاناة النظام من سلسلة هزائم عسكرية قادمة ستؤدي في نهاية الأمر إلى انهيار كامل للاقتصاد السوري.في التقرير أرقام مذهلة عن حالة الاقتصاد السوري في الأربع سنوات الأخيرة، فالاقتصاد السوري تراجع إلى أقل من النصف وارتفعت معدلات التضخم بشكل غير مسبوق إذ وصلت إلى ما يقارب من ١٢٠٪ مع حلول شهر أغسطس ٢٠١٣ في حين تراجعت قدرة النظام على إنتاج النفط (من ٣٨٧ ألف برميل يوميا إلى ما يقارب من ١٠ آلاف برميل يوميا) وفقدت العملة السورية ما نسبته ٧٨٪ من قيمتها منذ اندلاع الثورة السورية مع بداية عام ٢٠١١ وارتفعت الأسعار بمعدل ٥١٪ في الفترة ما بين يناير ٢٠١٢ ومارس من عام ٢٠١٥. وهذه الأرقام تبين بشكل لا يقبل اللبس أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى سنوات طويلة وربما عقود حتى يعود إلى النقطة التي كان عليها قبل اندلاع الثورة.ويرصد التقرير تطورات الأزمة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية وصلت حصيلة الخسائر فيها إلى أكثر من ٢٢٠ ألف قتيل بالإضافة إلى ملايين النازحين واللاجئين، وفي النصف الأول من العام الجاري تكبد النظام انتكاسات عسكرية واقتصادية قاسية ما يعني أن التراجع الاقتصادي الكبير قد يكون السبب الرئيسي لهزائم عسكرية مستقبلية أو قد يفسح المجال للضغوطات الخارجية للتوصل إلى حل سياسي لن يكون منسجما مع أولويات بشار الأسد في الفترة الحالية.هناك تفاصيل كثيرة في التقرير لكنه لم يتجاوز نطاق التوصيف للحالة السورية القاتمة والتي ساهمت القوى الخارجية فيها سواء مَن وقف مع النظام السوري بالسلاح والعتاد والمال والمقاتلين مثل روسيا وإيران وحزب الله أو من خذل الشعب السوري وسمح لبشار بأن يستمر في تقتيل الشعب دون رادع حقيقي وهنا الحديث عن الغرب الذي ما زال مترددا ومتذرعا بغياب البديل المعتدل والمقبول. هناك أمران يجب أن لا يغيبا عن البال. أولا، يعرف بشار الأسد ومن يقف معه بأنه قدرة النظام على الصمود لن تستمر لفترة طويلة وذلك لظروف موضوعية، غير أن إصرار النظام على القتال حتى آخر رمق لن يدمر الاقتصاد السوري فحسب بل ربما سيقوض أركان الدولة وسلامة ووحدة أراضيها. بمعنى آخر فإن استمرار الحرب بهذه الطريقة ستقضي ربما على فكرة الدولة السورية وهناك من يتحدث عن سيناريو التقسيم بحيث تصبح سوريا أكثر من دولة. وثانيا، قد لا تسبب انتكاسات النظام الكثيرة إنهاءً للحرب وانما استمرار النظام في مقاربة الحل العسكري وبخاصة بعد أن أسقط من حساباته إمكانية أن تعود سوريا التي نعرفها كاملة تحت حكمه، فهو بمعنى آخر يستعد لمعركة من نوع آخر وهي معركة تقسيم سوريا. والحق أن لقاء مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الأخير مع بشار الأسد كشف أن الأخير لا يفكر بأي حل سياسي وإنما بحل عسكري لأنه يعرف تماما أنه لن يكون جزءا من أي حل سياسي قادم. والحال أن جل ما يفكر فيه النظام السوري في الوقت الحالي هو الاحتفاظ بالأجزاء التي يرغب أو يأمل بالاحتفاظ بها في دويلة مصغرة، والحقيقة أن هذا التفكير بدأ يتبلور بعد أن ثبت استحالة حسم الصراع عسكريا وبخاصة بعد أن فشلت إيران وروسيا في إعادة تأهيل الأسد بحجة أنه يقارع الإرهاب!حسابات الأسد باتت أكثر وضوحا من ذي قبل، فهو الآن يقف موقف دفاع استراتيجي ويعرف أن هناك فرصا للثوار بأن يحققوا انتصارات عسكرية في قادم الأيام، لكنه في الوقت ذاته يدرك بأن لديه من القوة ما يمكنه ربما من الدفاع عن المناطق التي يريدها جزءا من دويلته المصغرة. وهنا يواجه النظام السوري مشكلة تتمثل بانخفاض الروح المعنوية للقاعدة الاجتماعية التي يتكىء عليها وهو ما بدأنا نلاحظة منذ شهر مارس الماضي بعد أن تبين أن ثمة تصدعا عسكريا وسياسيا في قاعدته الأمر الذي دفع الكثير من المحللين إلى التنبؤ بأن انهيار النظام السوري قد يحدث بوقت أسرع مما يتوقعه الكثيرون.وبعيدا عن توقع البعض بقرب نهاية النظام السوري إلا أن الواقع يشير إلى أن النظام بدأ بإعادة نشر قواته بشكل أدى إلى التنازل عن بعض الأجزاء التي كانت لوقت قريب تحت سيطرته حتى يكون في وضع يمكنه من الدفاع بشكل كاف عن مناطق معينة ما قد يسمح له بالتوصل إلى صفقة سياسية في قادم الأيام. وعليه فإن رهان الأسد هو البقاء في دويلة وهو لم يعد يأبه بالدولة السورية التي نعرفها.ثمة أمر آخر علينا أن لا نغفله وهو أن قدرة بشار الأسد في الصمود في الأجزاء التي يريد السيطرة عليها لا تعتمد على الحد الأدنى من تماسك الاقتصاد كما أشار التقرير فقط وإنما على موقف حلفائه في موسكو وطهران، وهنا يمكن الإشارة إلى أن حراكا دوليا تقوده الولايات المتحدة بدأ يطل برأسه وربما يتبلور إلى تفاهمات هامة وحاسمة على حساب الأسد في حال توصل الجانبان الأمريكي والإيراني إلى صفقة بخصوص الملف النووي الشائك.