04 نوفمبر 2025

تسجيل

رقائق في الصدقة

26 يونيو 2015

من رقائق الحديث النبوي قوله عليه الصلاة والسلام:(أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً)، فكما ترى أن جميع الأمور الأربعة التي ذكرها رسول الله، وهي بلا شك على سبيل ضرب المثال لا الحصر على صور التعاطف والتراحم بين الناس قاطبة، مسلمهم وغير مسلمهم، لا تكون ولا تتم إلا بالإنفاق والصدقة، سواء بالمال أو بالجاه، أو حتى بالكلمة والبسمة، فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، كما ثبت ذلك في الأثر، وإني والله لأعجب وأتأسف في آنٍ واحدٍ، على من يبخل بالكلمة الطيبة وبالبسمة الحسنة ويمنعهما عن الناس، وكأن فيهما ما يشق عليه أو كأنه يخاف إذا هو قام بهما أن يخسر أو يفتقر.ثمة أمرٌ في فعل الصدقة وسائر صنوف المعروف، وإجابة السائل، يَجْمُل بنا أن نعيه ونتعلمه من سلفنا الصالح رحمهم الله جميعاً، سوى أنهم يفرحون ويسعدون بإعطاء الصدقة للفقير، وبقضاء حاجة السائل، دونما ذلة ولا أذى، وهو كونهم لا يرون لأنفسهم فضلاً ولا منة ولا يداً على الفقير، ولا يرجون حتى دعائه أو ثنائه، بل إنّ الأمر عندهم نقيض ذلك تماماً، عملاً بالآية الكريمة:(إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا)، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كانت إذا أرسلت معروفاً إلى فقير، تقول للرسول: احفظ ما يدعو به لنا حتى ندعو له بمثل ما دعا، ويبقى أجرنا على الله، فترد عليه بمثل دعائه، لكي يخلص لها أجر صدقتها.وهذا ابن عباس رضي الله عنه قال: (ثلاثة لا أكافئهم- أي لا أقدر على مكافأتهم- رجل بدأني بالسلام، ورجل أوسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليّ إرادة التسليم علي، فأما الرابع، فلا يكافئه عني إلا الله عز وجل، قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته، فأنزلها بي)، أناشدك الله أيها القارئ أن تنظر وتتأمل في هذا القول، ولك أن تعجب من سمو وعلو وشرف أخلاق صاحبه، ولكنّ العجبَ سرعان ما يزول وينتفي، إذ لا مسوِّغ له، فالقائل أحد صحابة رسول الله، بل هو ترجمان القرآن وحَبر الأمة، وابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وفي نفس المعنى الأخير من قوله رضي الله عنه، يقول التابعي، الفُضيل بن عياض رحمه الله، الملقب بعابد الحرمين:(من المعروف أن ترى المنة لأخيك عليك، إذا أخذ منك شيئاً، لأنه لولا أخذه منك ما حصُل لك الثواب، وأيضاً فإنه خصك بالسؤال ورجا فيك الخير دون غيرك)، بل إنهم كانوا يعدون رد السائل خائباً إن سأل ما ليس عندهم، لمن إحدى المصيبات، كما أنشد الإمام الشافعي رحمه الله معبراً عن سخائه وجوده:يا لهفَ قلبي على مالٍ أجود به على المقلين من أهلِ المروءاتِإن اعتذاري إلى من جاء يسألني ما ليس عندي لمن إحدى المصيباتختام القول:اعلم أن الحسد، إن كان لا بدّ من حسد، و إن كنت لا بدّ حاسداً، لا ينبغي أن يكون إلا في اثنتين، وبمعنى الغبطة، أي تمني مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوال النعمة عنه، هما في هذا الحديث:(لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).واستحضر أيها القارئ الكريم، دائماً وأبداً، عند شروق شمس كل صباح، قول رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين:( ما من يوم يصبحُ العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً).