12 سبتمبر 2025
تسجيلحدثت تحولات جوهرية مؤخرا على مستوى التصورات الأخلاقية أو ما يسمى بالمخيال الأخلاقي لدى بعض النخب في الغرب اتجاه الحرب ضد غزة واستمرار الإبادة ضد سكانها، وقد أظهر حراك الطلاب في عدد من الجامعات المرموقة في أمريكا مثل هارفرد ويال وكولومبيا وبرينستن، وما شهدته هذه الجامعات من اعتصامات ومظاهرات مطالبة بوقف الحرب على غزة وإنهاء التعاون بين جامعات بلادهم وإسرائيل كيف تحول اتجاه الوعي العام النخبوي على مستوى الجامعات تحديدا من التصديق المطلق للسردية الإسرائيلية والمساندة اللامشروطة لإسرائيل إلى التضامن مع فلسطين، والإيمان بحق شعب غزة وفلسطين عموما، وبدأ الكثير منهم في الغرب يرون الصراع الفلسطيني من منظور أكثر شمولية، ويعتبرون إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة للفلسطينيين أمرًا أخلاقيًا وإنسانيًا ضروريًا. جذبت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين طلابًا وأعضاء هيئة تدريس من خلفيات متنوعة، بما في ذلك الأديان اليهودية والإسلامية، مطالبة بإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وسحب الاستثمارات الجامعية من الموردين العسكريين والشركات الأخرى المستفيدة من الحرب، وهذا التحول في السرديات المؤيدة لفلسطين لدى فئات الشباب تحديدا مثَّل صدمةً للنموذج المعرفي القيمي الغربي، الذي كان يسيطر على توجهات الرأي العام كلها، ويوجهها كيفما يشاء، خاصة أن الرأي العام الغربي كان يتلقَّى الأخبار من القنوات الإخبارية الكبرى مثل سي إن إن، وفوكس نيوز، وبي بي سي، وهي كانت تحت سيطرة لوبيات سياسية ومالية إسرائيلية، إلاّ أن الأجيال الجديدة من الشباب تمرّدت على هذا النموذج، حيث باتوا يعتمدون أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي ومصادر الأخبار البديلة للحصول على أخبارهم، مما سمح لهم بتبني وجهات نظر مختلفة عن التوجه العام السائد. نتيجة لتلك التحولات، زادت الدعوات من بعض السياسيين في الولايات المتحدة لفرض حظر على TikTokعلى مستوى البلاد، فقد أبرزوا البيانات التي تظهر أن عدد مقاطع الفيديو على TikTokالتي تحمل وسم #freepalestine تفوق بشكل كبير عدد تلك التي تحمل وسم #standwithisrael، وهذا الأمر أثار جدلاً واسعًا بشأن السياسات والأسس التي تتبعها التطبيقات الاجتماعية في تنظيم المحتوى وفي تعبير المستخدمين عن آرائهم. كما سرديات الواقع والمشاهد الصادمة للاستهداف المتعمد للأطفال والنساء والصحفيين داخل المستشفيات وفي الأماكن الآمنة التي يلجؤون إليها للحماية من القصف والقنص، والتي نقلها المراسلون في الميدان وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون، لاسيما قناة الجزيرة، ساهمت بشكل كبير في تغيير سرديات الحرب ووعي الجمهور الغربي، وخاصة بين فئات محددة مثل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، بالإضافة إلى بعض الفنانين والشخصيات المعروفة، تلك المشاهد المروعة، التي تبرز القسوة في إبادة شعب غزة،على سبيل المثال سردية “روح الروح”، وهي للجد الذي فقد حفيدته، في مشهد مؤلم أثر على وعي ولا وعي الجميع. يعود أيضا التحول في الرأي العام، خاصة لدى فئة الشباب-إلى الروابط المتشابكة بين مختلف النشطاء، الذين قاموا بربط النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي بقضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية الأخرى، فإن هؤلاء النشطاء قاموا بتضمين احتجاجاتهم ضمن حركات أوسع نطاقًا تتناول قضايا مثل حقوق النساء،، وحياة السود، وحقوق السكان الأصليين، وحقوق اللاتينيين، وحقوق جميع الأشخاص من ذوي البشرة اللونية، ولقد شملت هذه الروابط العميقة حتى المؤسسات الدينية، مثل الكنائس، التي تقيم الشعلات الليلية للفلسطينيين وتطالب بوقف إطلاق النار، بما في ذلك تلك التي يقودها رجال الدين السود، وقد أدى هذا الترابط المتداخل بين مختلف القضايا الاجتماعية والحقوقية إلى تعزيز الدعم للقضية الفلسطينية وتحويل تفكير الرأي العام إلى أشبه بكرة ثلج، تنتقل من جامعة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى أيضا، وعلى الرغم من الترهيب المتكرر الموجه للطلاب، بما في ذلك التهديد بالطرد أو ترسيبهم، أو تعريض مستقبلهم المهني للخطر، واتهامهم المباشر بمعاداة السامية، واعتقالهم واعتقال أساتذتهم الذي يؤيدونهم، إلا أن كل هذه الإجراءات لم تثنِهم عن إكمال نضالهم وتصديهم لحرب الإبادة على غزة، والضغط على دولهم لوقف تمويل الحرب. يظهر هذا التحول في المخيال الأخلاقي لبعض النخب الغربية أن فرضية تحكم السردية الإسرائيلية في وجدان كل الغربيين ما هي إلا أسطورة ووهم، صنعها السياسيون وروج لها الإعلام، وصدقها الجميع، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فالإنسانية قيم، والخير والشر موجود في الشرق وفي الغرب، ويمكن أن تتحول كرة ثلج الاحتجاجات ورفض السردية الإسرائيلية المعتدية والمحتلة، لتصل لأبعد حد، والأيام فقط كفيلة بتحقيق ذلك.