11 سبتمبر 2025
تسجيلتغيرت هوية مدينة الدوحة منذ اقتراب استضافتها لأكبر فعالية في العالم وهي كأس العالم، ليس على مستوى التصميم العمراني وتجهيز الملاعب والمرافق الرياضية وأماكن الاستضافة فقط، بل على مستوى التشكيل الثقافي والهوياتي للمدينة كذلك، حدثت تحولات كبرى على مستوى الهوية البصرية للفضاءات العامة في كل أجزاء المدينة، من شوارع، مراكز تجارية، حدائق عامة، منتجعات، كورنيش الدوحة والشواطئ، مراكز الترفيه، الأبراج وغيرها، كل هذه الفضاءات العمومية تزينت بألوان الوعد، وقد مزجت هذه الفضاءات بين التحولات الفنية والجمالية الحداثية، وبين الموروثات الثقافية التي المستوحاة من القيم الهوياتية والثقافية المحلية القطرية والإسلامية، فنجد الأبراج والشوارع الكبرى مثلا زينت بتصميمات جمالية حديثة راعت محددات الإضاءة والتشكيل اللوني، وتوزيع الماء والضوء على مستوى النوافير، وحضور التناغم والتناسق في تأثيث الشوارع ومختلف الفضاءات العامة بالمساحات الخضراء والورود، وأيضا تصفيف الشوارع الكبرى وواجهات الأبراج بالإعلانات الرقمية المبهرة، التي تتخذ أشكالا وألوانا مختلفة، سواء بوضع الملصقات الكبرى للاعبين والفرق المشاركة في كأس العالم في واجهات الأبراج والمراكز التجارية، أو إلباس محطات المترو، والحافلات والسيارات ومختلف وسائل النقل العمومي بإعلانات تسوق لفعاليات البطولة. كما تستمد هذه التصميمات جماليتها من محددات الموروث الثقافي المحلي القطري، فشعار كأس العالم مثلا له دلالات خاصة مرتبطة بالمجال المحلي، فقد استوحى الشعار من "الشال الصوفي التقليدي الذي يرتديه الناس في قطر وفي الخليج على وجه التحديد، كما استوحيت تعويذة "لعيب" وهي إحدى شخصيات العالم الافتراضي التي تركز على الإبداع وروح المغامرة والاستكشاف، من الشال القطري التقليدي أيضا، كما أن أغلب ملاعب البطولة مصممة وفق جماليات تمزج بين ما يحاكي ماضي قطر ويحاكي حاضرها، كملعب الثمامة وملعب البيت، ملعب الجنوب وغيرها، وتشهد الفضاءات العامة المجاورة لهذه الملاعب هذه الأيام حركية لا مثيل لها، فتحولت لحدائق فنية جميلة تشع بالأضواء المبهرة، التي يمتزج فيها عبق التاريخ بشذى الحاضر، فتحولت لمهرجانات جماهيرية مفتوحة، تلتقي فيها الثقافات والهويات وتتنوع في جمالية فريدة من نوعها. تحول كورنيش الدوحة أيضا لمعلم جمالي متميز، خاصة بعد أن فتح على طول مساره للمشاة، فأصبح مجالا بصريا وفنيا مفتوحا لكل زائر، ويمنح الزوار أكثر من متعة المشي والتمتع بالحدائق المتراصة على جوانبه، بل تحول لمعرض فني جمالي للعائلات والأفراد للاستمتاع بالعروض الفنية والثقافية والموسيقية التي تقام باستمرار، وأصبحت فعاليات الكورنيش، ومختلف الفعاليات الأخرى التي تقام في كتارا ولوسيل ومناطق أخرى تحفا بصرية فنية تستهوي كل زوار قطر طيلة الفترة التي تقام فيها بطولة كأس العالم. اتخذت كل معالم الدوحة أيضا ألوان الوعد، فشعلة أسباير، سوق واقف، أبراج الدفنة، أبراج لوسيل، وغيرها تنساب عبرها ألوان متناسقة تمزج بين اللون العنابي الذي يرتبط بالهوية الثقافية القطرية وألوان الفيفا كاللون البنفسجي، اللون الأزرق الفاتح، اللون البرتقالي، وكلها ألوان وظفت في تناسق مبهر وتظهر في كل فعاليات البطولة، وفي كل المطبوعات والملصقات، وفي كل الإعلانات الترويجية المصورة والمرئية، لتظهر هوية بصرية موحدة للبطولة، وكل لون تم توظيفه له رمزية ودلالة، وتأثير في النفس وله مكانه في اللغة البصرية، فتغير شكل قطر كلها لتتخذ هوية بطولة كأس العالم، كما تم توظيف زخرفات وأشكال متعددة تظهر في كل المطبوعات والمنشورات والإعلانات، وقد حاكت هذه الأشكال التراث المادي والبيئة القطرية والعربية، فالتموجات التي ظهرت في شعار بطولة كأس العالم حاكت شكل الكثبان الرملية التي تتميز بها الصحراء، وعناصر الزخرفة التي ظهرت في الشعار أيضا مستوحاة من أنماط زخرفة نباتية مثل تلك التي تطرز على الشال الشتوي القطري، وتوظيف الحروف العربية وفق نمط معين، كاستخدام الكشيدة، وهي التطويل الذي يضاف بين الحروف يتميز به الخط العربي. هوية مدينة الدوحة كذلك تحاكي قيم أهلها، فهي إلى جانب كونها تجسيدا فضائيا بعمرانها وجمالياتها المكانية هي تجسد القيم التي يؤمن بها سكانها، فقطر حاليا بمواطنيها ومقيميها تجسد وتسوق لقيم أخلاقية وجمالية ووفق رؤية مثالية لقيم الكرم، الاستضافة، التنوع، والاختلاف، فتحولت كل فضاءات الدوحة إلى مجالات تواصلية لنشر الثقافة والموروث الثقافي القطري الإسلامي الممتزج بقيم الأصالة والحداثة لكل زوار قطر في فترة كأس العالم.