13 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن مصر دخلت مرة أخرى في نفق الاقتراض المظلم كما كان الأمر في عهد إسماعيل باشا، الذي بلغت الديون عند عزله أكثر من 126 مليون جنيه، وهو مبلغ ضخم جدًا بأرقام ذلك الزمان، منذ حوالي مائة وخمسين عامًا.وكان من نتيجة ذلك التمهيد للاحتلال الإنجليزي لمصر الذي دام أكثر من سبعين عامًا، ذلك أن بريطانيا استغلت تلك الديون الكبيرة التي استدانها إسماعيل باشا، لتحقيق أطماعها السياسية في الاستيلاء على مصر. وقد بدأ الأمر بقبول القاهرة وصول بعثات من بريطانيا وفرنسا للسيطرة الاقتصادية على البلاد، بحجة معاونة البلاد على حل أزمتها المالية، ونتج عن ذلك إنشاء "صندوق الدين" في مايو 1876 والذي تحددت مهمته في أن يكون خزانة فرعية للخزانة العامة، تتولى استلام المبالغ المخصصة للديون من المصالح الحكومية مباشرة.ثم توالت مظاهر التدخل الأجنبي في شؤون البلاد، فتم إنشاء مجلس أعلى للمالية من عشرة أعضاء نصفهم من الأجانب، ثم أنشئت المراقبة الثنائية على المالية المصرية لاثنين أحدهما إنجليزي والآخر فرنسي.ورغم ذلك سارت الأمور المالية للدولة المصرية من سيئ إلى أسوأ، وهو ما استغلته بريطانيا وفرنسا للضغط على الباب العالي لعزل إسماعيل باشا وتولية ابنه توفيق، الذي كان مستعدًا لاستقبال قوات الاحتلال البريطاني مقابل وصوله إلى السلطة، وهو ما كان.ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، حيث عادت مصر للاقتراض بشراهة، إذ إنه وفقا للبيانات الرسمية فقد اقترضت القاهرة خلال عام واحد ما يزيد على الستين مليار دولار، وهو رقم ضخم بكل المعايير، وسيترتب عليه ارتفاع الدين الخارجي إلى أكثر من مائة مليار دولار، في الوقت الذي ارتفع فيه الدين الداخلي، حسب بيان البنك المركزي المصري الصادر في فبراير 2016، إلى نحو 2.5 تريليون جنيه (أي ما يعادل 250 مليار دولار أمريكي)، ليصل إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي إلى حوالي 357 مليار دولار أمريكي، بما يعادل 90% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى أن موارد مصر الدولارية أصبحت ضعيفة للغاية، حيث إن هناك تراجعا في موارد قناة السويس وكذلك الأمر بالنسبة للسياحة والصادرات وتحويلات العاملين في الخارج والاستثمارات الأجنبية، فإن هذه الديون لن يكون من السهل تسديدها على المدى القريب أو المتوسط، وهو ما يعني إعلان مصر إفلاسها، وهو ما سيترتب عليه عواقب كبيرة، أهمها الانهيار الكامل للعملة المصرية وانسحاب الاستثمارات الأجنبية وتوقف المؤسسات الدولية عن إقراض الدولة.أو أن يحدث تدخل أجنبي بشكل مباشر يتم بمقتضاه السيطرة على القرار الاقتصادي للدولة المصرية وبالتالي القرار السياسية عبر مؤسسات الإقراض الدولية التي تسيطر عليها القوى الكبرى.ولتفادي هذه العواقب، فإنه يجب على الحكومة المصرية، إن كانت تريد الحفاظ على استقلال الدولة المصرية، أن تبادر على الفور بوضع خطة اقتصادية تعتمد على إستراتيجية الإنتاج بدلا من إستراتيجية الاقتراض، أي البدء في تدشين مشروعات اقتصادية إنتاجية بدلًا من مشروعات الاستهلاك الإعلامي التي تقوم بها الآن.