12 سبتمبر 2025

تسجيل

تحديات الرئيس الجديد للمحروسة

26 مايو 2014

ليس بوسع المتابع أن يحكم على قدرة أي من المرشحين لانتخابات الرئاسة في مصر والتي ستجرى اليوم وغدا على التعامل بفعالية مع التحديات أو بالأحرى سلسلة الإشكاليات التي تواجه المحروسة والناتجة عن تراكمات أكثر من أربعة عقود بدت تجلياتها منذ تطبيق الرئيس الراحل أنور السادات لسياسة الانفتاح الاقتصادي بدون اعتماد على أسس ومرتكزات منسجمة مع قواعد الاقتصاد الحر وإنما استند إلى ما وصفه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين آنذاك بأنه انفتاح "السداح مداح" وهو تعبير يقصد به قمة الفوضى والعشوائية الأمر الذي أدخل البلاد في دوامة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية تفاقمت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك على مدى السنوات الثلاثين التي حكم فيها مصر واتسعت قاعدة هذه المشكلات في زمن حكم جماعة الإخوان المسلمين والذي استمر لمدة عام واحد لكنه شهد صعودا واضحا باتجاه الهاوية ومن ثم فإن التعاطي مع هذه التحديات والإشكاليات سيبدأ فعلا بعد أن تطأ أقدام الرئيس المنتخب قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، فحينها سيقرأ الواقع الحقيقي وقد يكون مغايرا بمسافة شاسعة عن فترة ما قبل تولي السلطة. ومن الواضح في ضوء قراءة المعطيات المحيطة بالحملات الانتخابية لكل من المرشحين الرئاسيين أن المشير عبد الفتاح السيسي سيحصل على المنصب الرفيع المقام في المحروسة بنسبة عالية من أصوات المقترعين - وهو ما أكدته أصوات المصريين بالخارج التي حصل عليها على نحو بدا أشبه بالاكتساح. ومن ثم سيكون هو الأقدر على التعامل بدرجة عالية من الحسم مع التحديات المطروحة في الواقع المصري وهي عديدة ومتنوعة وتطال مختلف القطاعات، من سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وغيرها، مما يشكل عبئا واضحا على أي قيادة جديدة وأظن أنه بدا جاهزا لهذه المهمة من خلال إعداده مخططات وتصورات وبرامج عمل محددة بعد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع خبراء مصريين، سواء بالداخل أو بالخارج ولكن تبقى المعضلة كامنة في الآليات والقدرات والمهارات التي يمكن أن يتكئ عليها والتي تتمثل في المؤسسة البرلمانية القادمة ومدى تعاونها معه، فضلا عن نوعية الحكومة التي سيشكلها بناء على الأغلبية التي ستسفر عنها انتخابات مجلس النواب التي ستعقب الانتخابات الرئاسية، فضلا عن المناخ الإقليمي والدولي، خاصة أنه سيكون في حاجة إلى تمويل لمشروعاته التي سيطرحها عقب صعوده إلى السلطة والذي ستكون الاستثمارات العربية والأجنبية مصدرا مهما للحصول على التمويل المطلوب.وإن كنت شخصيا أدعو إلى البدء في تطبيق سياسات تعمل على تعظيم المكون الاستثماري الوطني والاعتماد على القدرات الذاتية وهي ضخمة وهائلة ولكنها في حاجة إلى التوظيف الأمثل وتطبيق قواعد الشفافية والنزاهة، بما يقضي على مؤسسة الفساد التي استشرت خلال العقود الأربعة الأخيرة على نحو شديد الخطورة كاد يطال مختلف قطاعات الدولة المصرية التي لم تنج منه خلال حكم الإخوان وكان يتم تحت عباءة إسلامية للأسف. والمؤكد أن مواجهة هذه التحديات لن تتم في غضون عام أو عامين أو حتى أربعة أعوام وهي الفترة الزمنية الأولى المحددة لبقاء الرئيس بقصر الاتحادية وفقا للدستور الجديد ولكنها ستحتاج إلى متسع من الوقت ومن ثم سيكون مطالبا - أي الرئيس القادم - بإجراء تغييرات في هيكل الجهاز الإداري للدولة على نحو يجرده من حالة الترهل والخمود التي يعيشها منذ سنوات مبارك وإجراء تعديلات جوهرية في الأجور والمداخيل تنحاز أساسا للطبقة المتوسطة والفقراء والمهمشين حتى يمكنهم تحمل عبء مشروع النهوض، فضلا عن الاعتماد على التخطيط والتوزيع العادل للمشروعات بين مختلف محافظات مصر وربما يتطلب الأمر تعديل الخارطة الجغرافية بما يضيف محافظات جديدة أو خلق أقاليم اقتصادية تتكامل فيما بينها والأهم من كل ذلك البدء فورا في خطط لإنقاذ التعليم في مصر بما يجعله منسجما مع روح العصر والتطورات المتسارعة في العالم ثم القيام ببدء تنفيذ خطة إنقاذ للقطاع الصحي الذي يكاد يكون أقرب للهاوية، خاصة المستشفيات الحكومية والجامعية والتي استسلمت للقطاع الخاص الذي يهيمن على هذا القطاع لحساب من يمتلكون القدرة على دفع الكلفة شديدة الارتفاع التي يطرحها دون رقيب أو متابعة.وبعيدا عن الاستغراق في التفاصيل فإنه من الضروري للرئيس القادم أن يبدأ بملفات تعيد الاطمئنان للشارع في مصر والذي يعيش مرحلة خلل أمني غير مسبوقة في تاريخ المحروسة الحديث ويمكن القول إن مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 افتقرت إلى حضور الأمن، مما جعل الأقوى هو الذي يفرض إرادته، حيث تمت في ظل غياب الدولة سيطرة عصابات أو ما يسمى بالبلطجية على شوارع وسط القاهرة والتي باتت من الضيق بمكان بعد أن تمدد فيها الباعة الجائلون وضاعت ملامح وقسمات واحدة من أجمل مناطق القاهرة وللأسف لم تقترب حكومات ما بعد الثورة من هذه المنطقة، ربما لأنها جميعا مشغولة بالشق الأمني، خاصة حكومة الدكتور حازم الببلاوي التي سقطت قبل حوالي ثلاثة أشهر. ومن ثم فإن استعادة الأمن تعد الأولوية الملحة للرئيس القادم، لأنه بذلك سيتمكن من الولوج إلى المعضلات الأخرى وفي مقدمتها المعضلات الاقتصادية والتي تبدو مستعصية، بيد أنها في حاجة إلى قيادة تحرك الجماهير وتدفعها للعمل وفق أنظمة وخطط جديدة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه من الأهمية بمكان إعادة إنتاج تجربة المرحلة الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن الفائت والتي تمكنت من تحفيز الجماهير في ظل وجود مخططات لمشروعات حقيقية كان في مقدمتها مشروع السد العالي الذي شكل مشروعا قوميا حشد طاقات الناس في بلادي وسرعان ما امتد الأمر إلى قطاعات أخرى مهمة، كالتصنيع والزراعة وغيرها، فانطلقت المحروسة خاصة مع الخطة الخمسية الأولى ثم الثانية إلى آفاق أكثر رحابة اقتصاديا واجتماعيا ونتيجة لمكابدات الشعب خلال السنوات الثلاث المنصرمة فإن الرئيس القادم مطالب بأن يعطي مؤشرات إيجابية تصب باتجاه تلبية الاحتياجات اليومية وفق منظومة عادلة من الأسعار والتي شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعا غير مبرر طال معظم السلع الرئيسية وهناك تقارير تتحدث عن رفع سعر البنزين والسولار والكهرباء والغاز الطبيعي والأخير بدأ تطبيق الزيادة فيه اعتبارا من الشهر الحالي وقد تقدم الحكومة الحالية على هذه الارتفاعات قبل مجيء الرئيس القادم وبالتالي لن يوصف بأنه هو من رفع الأسعار وإذا تحقق ذلك فإنه سيكون مطالبا بقوة بإظهار انحيازه للأغلبية من الشعب من خلال السعي بإلحاح إلى تخفيض الأسعار أو جعلها تنسجم مع طبيعة الدخول المتواضعة التي تحصل عليها هذه الأغلبية.