30 أكتوبر 2025

تسجيل

سقوط عدن

26 مارس 2015

قدمت إستراتيجية "الحوار العبثي" التي تبناها المبعوث الأممي جمال بن عمر هدايا كثيرة لجماعة "أنصار الله" الحوثية، مكنتهم من تنفيذ مخططاتهم للسيطرة على مفاصل الدولة وبسط نفوذهم في أكثر من 18 محافظة من أصل 22، وعندما أيقن عبد الملك الحوثي أن الهدف تحقق سخر من الحوار والمتحاورين، وأعلن التعبئة العامة و"الجهاد المقدس ضد قوى التكفير والتآمر"، التي كان من نتائجها سقوط تعز وبعدها عدن. ورغم خطاب زعيم الحوثيين الساخر لم ييأس بن عمر بل أعلن أن اليمنيين سيتحاورون في الدوحة وسيوقعون على أي اتفاق في الرياض.لكن هل لا يزال الحوثيون يؤمنون فعلا بالحوار خاصة بعد أن أصبحت عدن تحت سيطرتهم، ولم يعد للشرعية الدستورية والرئيس الشرعي أثر يذكر؟ هل عقدت الولايات المتحدة الأمريكية صفقة من نوع ما مع الحوثيين لتنفيذ مخططهم، ولذلك انسحبت قواتها من قاعدة العند الجوية قبل سيطرة الحوثيين عليها؟ هل دول مجلس التعاون مستعدة لاتخاذ "الإجراءات اللازمة" لحماية أمنها الإقليمي؟ ما هي خيارات المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون لحماية الشرعية التي جاءت بها المبادرة الخليجية؟ هل دول الخليج مستعدة فعلا لتدخل عسكري عبر قوات درع الجزيرة؟ كيف ستكون نتائج الحوار لو تم أصلا جمع الفرقاء بعد فرض سياسة الأمر الواقع في كل المحافظات؟ يبدو أن واشنطن تلعب الآن بأوراق جديدة في المنطقة بعد أن سلمت العراق للإيرانيين، لكن اللعبة هذه المرة لن تكون داخل حدود اليمن فقط، بل المستهدف شبه الجزيرة العربية، حيث لا يمكن لأحد التنبؤ بما ستقدم عليه إيران بغطاء أمريكي لأن أغلب المعطيات تشير إلى تغير إستراتيجيات الإدارة الأمريكية للتعامل مع أصدقائها القدامى وربما تدعم استمرار مصالحها بحلفاء جدد أكثر فاعلية ونفوذا وقدرة على التأثير في مجريات الأحداث المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط ككل.ويبدو كذلك أن دول الخليج أدركت ولو متأخرة حجم الخطر الذي تمثله التطورات في المشهد اليمني على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وأدركت كذلك كم كان بعضها مخطئاً عند صياغة مبادرة سمحت بالإبقاء على رأس الأفعى، ينفث سمومه مستندا على حصانة تمنع ملاحقته قضائيا، وتأخرت كذلك عندما وُضِع الرئيس الشرعي وطاقم حكومته تحت الإقامة الجبرية، وتأخرت كذلك عندما رأت السفن والطائرات الإيرانية تفرغ حمولاتها العسكرية في الموانئ والمطارات لدعم طرف ضد شعب بأكمله، لكن وكما يقال إن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي مطلقا، لذلك تم التلويح باللجوء إلى خيار القوة لكبح جماح الحوثي والرئيس المخلوع المتهمين بعدم الالتزام بالمبادرة الخليجية ومقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وحتى اتفاق السلم والشراكة في 21 سبتمبر 2014.تسارعت الأحداث بشكل (درامي) مقلق بعد بيان مجلس الدولي المخيب للآمال، والذي لم يتضمن أي إجراءات عملية ضد معرقلي الانتقال السياسي السلمي، لذلك لم يجد القائم بأعمال وزير الخارجية اليمني رياض ياسين سوى الدعوة إلى مساعدة عسكرية من مجلس التعاون لدول الخليج العربية وفرض حظر الطيران على المطارات التي يسيطر عليها الحوثيون وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي قدم تسهيلات إضافية لسيطرة الحوثيين على مدينة تعز وما تبعها من تنفيذ عمليات عسكرية لاجتياح العاصمة الاقتصادية عدن، وطرد الرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي الذي أصبح رأسه مطلوبا لقاء جائزة مالية أعلنت عنها جماعة أنصار الله الحوثية، ويبدو من آخر خطاب لعبد الملك الحوثي يوم الأحد الماضي، أنه القائد العام فعليا للقوات المسلحة حينما أمر برفد المعسكرات بمزيد من المقاتلين وأنه مصمم على الخيار العسكري لبسط السيطرة على كامل اليمن وتنفيذ مشروع يرى فيه الرئيس هادي أنه مشروع إيراني يهدف لنشر المذهب الاثني عشري رغم رفض اليمنيين زيودا وشوافع. بعد الانتصارات العسكرية للحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع لا أعتقد أن الحوار سيكون ذا جدوى، فالحوثيون يقولون إنه لا يعنيهم لأن طموحهم أكبر وهم الآن من يحدد الخيارات ويرسم خارطة البلاد. المجتمع الدولي مُرغ وجهه في التراب وذهبت قراراته أدراج الرياح كالعادة، الحوثيون والإيرانيون قرأوا التاريخ جيدا وتبنوا إستراتيجيات تستند إلى نظرية الاحتواء المزدوج وينطلقون من مشروع أهدافه التوسع والسيطرة وتفكيك منطق الأغلبية المذهبية، وفي المقابل لا توجد الآن دولة في المنطقة تحمل مشروعا حقيقيا يمكنه الوقوف في وجه التمدد الإيراني بل يكاد يكون هناك شبه إجماع من أهم الدول المؤثرة على ضرب الحركات السنية المؤثرة في الساحة الإسلامية. لن يكتفي الحوثيون بما أنجزوه وربما يعتمدون الآن إستراتيجية أخرى للتخلص من حليفهم الذي قتل نحو عشرين شخصا من عائلة عبد الملك الحوثي ودمرت أوامره العسكرية في الحروب الست منازل آلاف العائلات في مديرية مران ومحافظة صعدة، هذا ثائر أسود لن ينسوه للرئيس المخلوع، ربما يتجلى فك ذلك التحالف بشكل واضح ودموي في الشوط الأخير بعد السيطرة على حضرموت وانتهاء المعركة في مأرب والسيطرة الكاملة على منابع النفط والطاقة بمباركة الأمريكيين الذين يرون أن الشيعة والحوثيين أسلحة المرحلة لضرب تنظيم القاعدة وملاحقته في جحوره، وربما يختفي التنظيم تماما ومعه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الذي يظهر حسب الطلب!! في حال التوصل إلى تسوية مؤقتة مع الرئيس المخلوع تجعل من نجله رئيسا لليمن، لأن الحوثيين في هذه الفترة لا يريدون تحمل المسؤولية لوحدهم بل سينصرفون إلى بناء الحرس الثوري لغرس التجربة الإيرانية بحذافيرها في البلاد.. ووفقا لهذه المآلات ربما ستتجه دول الخليج إلى تبني إستراتيجية التعامل مع واقع جديد تضمن فيه بناء علاقات حسن جوار وتعايش مع الحكام الجدد لليمن وطي صفحة الرئيس عبد ربه منصور هادي ومعه حركات الإسلام السياسي.