11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل أنت سعيد حقا؟!

26 فبراير 2024

لفت انتباهي إصرارها على التصريح، بلا مناسبة أحيانا، بأنها سعيدة جدا في حياتها، حتى أنها تخشى حسد الآخرين أو ربما غيرتهم مما ترفل به من السعادة، ومع هذا فقد كانت تبشر بسعادتها كل من اقترب منها وإن عرضاً. قالت لي في بداية جلسة استشارة كتابية طلبتها مني، إن السعادة هي مكافأة نهاية العمر التي حصلت عليها أخيرا، بعد أن مرت بتجارب مريرة في حياتها المتقلبة والتي عاشتها في أكثر من بلد، وكل مرة بتجربة مختلفة تماما في الثقافة والاهتمام والعمل. حسنا.. أنا سعيدة لأجلك أيضا، قلت لها ذلك مع خالص تمنياتي بدوام السعادة في حياتها. لكنني لم أرَ السعادة التي كانت تحدثني، كما تحدث غيري عنها، هذا هو لقائي الثالث معها، مع كثير من المكالمات الهاتفية، فأين هي السعادة يا ترى في امرأة لا أرى منها سوى هامش من حكاية منسية تعيد حكايتها كلما اكتشفت مستمعا جديدا في حلقة الناس حولها؟ عندما قرأت القصة القصيرة التي كتبتها في تجربة جديدة من تجاربها الكثيرة قلت لها إنها كاتبة موهوبة فعلا، وإن قصتها لا تحتاج سوى القليل من التدقيق اللغوي وربما عليها أن تفكر بإعادة صياغة ختامها.. اقترحت عليها جملة للختام لكنها رفضت، قالت إن الجملة المقترحة تبدو حزينة بعض الشيء، وهي امرأة سعيدة جدا، لا يجب أن يقترب الحزن مما تكتب! هل هي سعيدة جدا فعلا؟ لست متأكدة ولم يعد يعنيني الأمر، لأنني أعرف أن السعادة نسبية.. جميعنا تقريبا يعرف هذا، ويعرف ان يكون المرء سعيدا لسبب ما لا يعني أن هذا السبب سيسعد غيره أيضا، لكننا لحسن الحظ نستطيع الوصول الى تعريف مشترك يمكننا أن نوافق عليه جميعا من دون الخوض في تفاصيل كل سعادة فردية على حدة، نستطيع مثلا أن نقول إن السعادة حالة شعور إيجابية وشاملة للرضا والسرور والراحة النفسية، أما اختلافنا في تعريفاتها التطبيقية فيرجع إلى الاختلافات الفردية والثقافية والاجتماعية لكل منا. قد يرى بعض الأشخاص السعادة كمشاعر فرح فردية تحدث نتيجة تحقيق أهداف شخصية أو امتلاك أشياء مادية، في حين يرى آخرون السعادة حالة من السلام الداخلي أو القناعة والرضا أو العلاقات الاجتماعية الجيدة، أو العيش في محيط أسري دافئ.. أو التكامل مع شخص آخر في علاقة حب.. مثلا! ورغم أننا نعرف أن الكثير من العوامل التي يجعلنا الحصول عليها أو عيشها أو ممارستها سعداء، ورغم أننا نستطيع بالتجربة ومضي العمر تحديد تلك العوامل، إلا أن هذا لا يعني أننا سنكون دائما قادرين على الحصول عليها، إن لم نقرر ذلك بإرادة قوية وحرة، فتحقيق السعادة عملية شخصية تتطلب توازنًا بين الاحتياجات والرغبات الشخصية والعوامل الخارجية. قد يتضمن ذلك اتخاذ قرارات صحية وإيجابية، أو تطوير علاقتنا الاجتماعية التي نحبها، وممارسة النشاطات التي تستمتع بها، وربما العمل نحو تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية، والتعامل بإيجابية مع التحديات والضغوطات الحياتية. هل يكفي ذلك؟ في حالات قليلة نعم يكفي، لكن معظم البشر يكتشفون وهم يطلعون على تجارب غيرهم أن مهمة الوصول الى قمة جبل السعادة عملية على بساطتها البادية عملية خاصة جدا، وعلى كل امرئ أن يكتشف الطريق السري الخاص به وهو يتسلق الجبل وحيدا.. وإن كان محاطا بالناس من حوله، قويا، وإن كان واهن العظم والعضلات، واعيا وإن غفا أحيانا على وسادة الأحلام المستحيلة.. لا يكفي أن يراك الآخرون في تلك الصورة التقليدية للسعادة كما ترسمها الأغاني والأفلام العاطفية، ولا يكفي أن تصل إلى الصفحة الأخيرة من القصة حيث ينتصر الأخيار على الأشرار بالضرورة.. عندما انتهت جلستنا في ذلك اليوم غادرتني وهي ترسم ابتسامة عريضة على وجهها الجميل.. كانت غارقة في أسى لا يكاد يخفى على من عاش الأسى عمره كله!