16 سبتمبر 2025

تسجيل

قامات فكرية عربية وقطرية عرفتها

26 فبراير 2021

بلغني أن المستشار المصري العربي د. طارق البشري يرقد في أحد المستشفيات القاهرية، وروى أحد أحبائه د. هشام الحمامي أن طبيبه الذي يعالجه في قسم العناية المركزة عرف قيمته وهو طبيب شاب لم يتجاوز الثلاثين طالع كتبه فقال للحمامي: "لن يعوض الفكر العربي هذا الرجل لأجيال قادمة"، وأنا شخصياً كتب الله لي أن رافقت وصادقت د. طارق البشري حين كان يدعى لدوحة الخير والثقافة في مناسبات كانت أكثر توارداً من اليوم، حيث اضطرت الجائحة أهل الثقافة في قطر أن يحدوا من فعالياتهم ونشاطاتهم وندواتهم كما في العالم أجمع، ونتمنى أن تزول الجائحة وتعود قامات الفكر إلى مناسبات قطر الثقافية، لأن الدولة حريصة على تمكين الثقافة ودعم مجالاتها بالندوات ورعاية المؤسسات وإنشاء أعظم الجوائز كجائزة الشيخ حمد للترجمة وهي الأكبر في العالم. كنت تعرفت على د. طارق البشري و د. أحمد كمال أبو المجد وزير الإعلام الأسبق وأحد أعمدة الفكر العربي (توفي منذ سنتين رحمة الله عليه) حين قدمني لهما رفيق دربهما زميلي في جامعة قطر د. جمال عطية السجين السياسي الأسبق وصاحب كتاب (الدفاع الشرعي في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة)، وكتاب (بين القانون والأخلاق)، وأذكر جيداً هذه اللقاءات المتكررة، التي جمعتني أيضاً مع صديقي الكاتب الفذ فهمي هويدي الذي أيدني في المبادرة التي قمت بها من أجل مناصرة صديقي المفكر المسلم الشهير (رجاء جارودي) رحمه الله وهو الرجل الذي رافقته في فرنسا منذ نشرت له كتاب (حوار الحضارات) في مؤسسة نشر (جون أفريك) الباريسية حين كنت فيها مديراً للنشر عام 1979، كما حضرت محاكمته في محكمة باريس عام 1998 حسب قانون (غايسو) الفرنسي الجائر، الذي يحكم بالسجن والغرامات على كل قلم حر يشكك حتى في عدد ضحايا المحرقة النازية لليهود!، وهو صاحب الكتاب الذي أثار ضده اللوبيات الصهيونية بعنوان (الخرافات المؤسسة لدولة إسرائيل) فتمت محاكمته واعتدت علينا بالعنف عصابات ميليشيات صهيونية متطرفة في بهو المحكمة وحكم على (جارودي) بغرامة قدرها عشرون ألف دولار جمعناها من أهل الفضل والخير القطريين وسددنا الغرامة. وأحب أن أشير هنا إلى مقولة مهمة قالها الأستاذ طارق ذات مرة: إن المعارك الفكرية مثلها مثل المعارك الحربية تستقطب فيها المواقف وتجنح إلى المفاصلة وتغلق فيها الحدود وتوضع عليها الحراسة الشديدة، وتستبعد منها مساعي التوفيق وإمكانات الاحتكام إلى مبدأ أو منهج تتراضى الأطراف على قبول نتائجه، كما أن المعيار الذي يسود لا يتعلق بالخطأ والصواب، بقدر ما يتعلق بالنصر والهزيمة ويحذرنا تحذير الصديق قائلا: ومن أهم مراحل هذه الحروب "مرحلة ضرب الجسور".. وذلك لمنع أي شكل من أشكال التوافق والتراضي ذاك التوافق الذي هو بالأساس قاطرة المشروع الوطني العام. ومن القامات الباسقة التي حالفني الحظ فتعرفت عليها وتحادثت معها طيب الذكر الكاتب العربي الكبير يوسف السباعي قبل اغتياله بأسابيع حين كان وزيراً للثقافة المصرية في عهد محمد أنور السادات على أيدي متطرفين، وكان أيضاً طيلة عقدين رئيساً لاتحاد الكتاب الأفروآسيويين ودعاني لحضور مؤتمر هذا الاتحاد بمدينة (ألما أتا) السوفييتية مع المرحوم الكاتب التونسي مصطفى الفارسي عام 74 فسافر مصطفى إلى الاتحاد السوفييتي، وحضر المؤتمر بينما رفضت سفارة موسكو في تونس منحي تأشيرة لأني حسبما أسر لي به ملحقهم الثقافي "مصنف كعدو للاتحاد السوفييتي!"، السبب هو أنني كتبت كثيراً في الصحف التونسية وفي مجلة الفكر عن المنشقين العباقرة عن الاستبداد الشيوعي وأبرزهم الروائي الروسي الشهير الحائز على جائزة نوبل (ألكسندر سولجينتسين) صاحب روايات (قسم المرضى بالسرطان) و(يوم من أيام دنيسوفيتش) فدفعت ثمن انحيازي لتيار الحرية والتاريخ غاليا، والعجيب أنني كنت أنا على حق مع آلاف غيري وكان (الرفيق ليونيد بريجنيف) على باطل فانهار الاتحاد السوفييتي كقصر من الورق وانتصر الأحرار مع العلم أن (سولجينتسين) نزعت عنه موسكو الجنسية السوفييتية وأعطته واشنطن الجنسية الأمريكية وعاش فيها ومات فيها قامة عالية من الأدب الروسي الحر. وفي الدوحة عندما زرتها في أواخر السبعينيات لأشارك كناشر تونسي في أول معارض الكتاب العربي في قاعة قديمة بمنطقة اللقطة تعرفت على العبادلة الثلاثة قادة النهضة العلمية الخليجية وهم الشيوخ عبدالله الأنصاري وعبدالله آل محمود وعبدالله السبيعي رحمهم الله، وأذكر أن الشيخ الأنصاري أهداني ساعة في بيته الكريم في آخر شارع النصر، كما تعرفت على أشهر روائي سوداني الطيب صالح رحمه الله صاحب (موسم الهجرة للشمال) وهو مؤسس مجلة (الدوحة) التي كانت وما تزال منارة ثقافية مثل أختها (العربي) الكويتية، وربطتني صداقة بعميد الصحافة القطرية أخي ناصر العثمان من مؤسسي صحيفة الشرق الغراء درة تاج الصحافة الخليجية، أكرمني الله سبحانه بهذه الأفضال فالحمد له سبحانه. كاتب تونسي [email protected]