13 سبتمبر 2025

تسجيل

سفينة المجتمع

26 فبراير 2015

إن كل إنسان خلق على وجه الأرض سوف يأتي الله عز وجل فردا وكل فرد من ذكر وأنثى في مجتمعه يمارس مجموعة من المسؤوليات التي يفرضها عليه مكان وجوده وقدراته ومقدار معرفة الفرد لمسؤولياته وفهمه لها ثم حرصه على تحقيق المصلحة والفائدة المرجوة منها، ومما يجعل المجتمع متعاونا فعالا تسوده مشاعر الانسجام والمودة بين أفراده، فالمرء حسب ما تقتضيه الشريعة الإسلامية منوط بالتكليف فهو مسئول عن عمله إن خيرا فسوف يجزى به وإن شرا فسوف يعاقب عليه ويؤتى يوم القيامة كتابه إما بيمينه أو بشماله فهو يقوم بدوره وواجباته في المجتمع انطلاقا من المسؤولية التي سيسأل عنها يوم القيامة، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة،فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)رواه البخاري، فالتوجيه النبوي يستخدم ضرب الأمثال لتقريب المعنى إلى الأفهام والاعتبار والعظة بما يضرب لنا من أمثال في الشريعة الإسلامية. وفي هذا المثل العظيم يشبه فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حال الناس وموقفهم مما يكون في المجتمع من منكرات بحال قوم ركبوا سفينة فاقتسموا أماكنهم فيها بطريق القرعة،فكان من نصيب بعضهم الجزء الأعلى من السفينة،وكان من نصيب الآخرين الجزء الأسفل منها وكان لابد لأهل المنطقة السفلى من الماء أن يصعدوا لأعلى السفينة ليستقوا الماء،ولما كان ممرهم على أهل العلو قد يتأذون بهم، إذ ربما أصابهم شيء من رشاش الماء أو أُقلقوا وقت راحتهم أو غير ذلك، فلما رأوا تأذي أهل العلو بهم عزموا على أن ينقبوا في نصيبهم نقبا يحصلون منه على الماء دون الحاجة إلى إيذاء من فوقهم ولم يدر هؤلاء أن هذا الخرق الصغير سيؤدي إلى هلاك الجميع،فإقامة فرائض الدين وأحكامه يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية، والساكت بالرضا بها وفي هذا استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،ومعلوم أن المجتمع هو هذه السفينة يركب على ظهرها البر والفاجر،والصالح والطالح والمحسن والمسيء والمتيقـظ والغافل تحملهم هذه السفينة جميعا لوجهتهم، ولكنها وهي محكومة بالموج المضطرب والرياح الهوجاء من كل جانب، تتأثر بكل حركة تقع فيها فتهتـز مرة ذات اليمين ومرة ذات الشمال وقد تستقيم على الأفق أحيانا أو ترسب إلى الأعماق أحيانا.إن كثيرا من الناس لينسى في غمرته هذه الحقيقة ينسى سفينة المجتمع أو سفينة الحياة،ينسى فيخيـل إليه أنه ثابت على البر قوي راسخ لا يضطرب ولا يميل ولا يزول ومن هنا يفجر ويطغى ولو تذكـر من استكبر وطغى أنه ليس راكزا على شاطئ الأمان، وليس دائما في مكانه ولا خالدا في سطوته وإنما هي رحلة قصيرة على سفينة الحياة لو تذكر ذلك ما استكبر ولا طغى،ولعاد إلى مصدر القوة الحقيقيـة في هذا الكون يستلهم منه الهدى ويطلب منه الرشاد ويسير على النهج الذي أمر به وارتضاه للناس،ولكنها الغفلة السائدة التي تخيم على البشرية إلا من آمن واتـقى وعرف ربه واهتدى والرسول صلى الله عليه وسلم يحذر من هذه الغفلة التي ترين على القلوب، ويصورها في صورة السفينة الماخرة في العباب، يقسم ركابها بحسب أماكنهم الظاهرة في المجتمع،فالأمر حينئذ لا يخلو من إحدى نتيجتين إما أن يقوم أهل العلو بواجبهم في منع هذه الكارثة فينجو الجميع،وإما أن يتركوهم وشأنهم بدعوى أن هذا نصيبهم يفعلون فيه ما يشاءون وحينئذ تكون النتيجة الحتمية هي هلاك الجميع،فلابد للفرد المسلم معرفة مواطن النقص والخلل في المجتمع والتي تحتاج إلى تحسين وإحساس النفس بالمسؤولية تجاهها والحرص على المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وإصلاحه،فمن أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها مصداقا لقوله تعالى:واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة.