22 سبتمبر 2025
تسجيلوالإنسان يعيش حاضره هو أحد اثنين في غالب الأمر، إما أن يكون غارقا في الماضي ولا يفكر في الحاضر أو المستقبل، أو أن يكون غارقا في الحاضر غير عابئ لا بالماضي ولا بالمستقبل، وقلة أولئك الذين يفكرون في المستقبل بروح يحدوها الأمل، وعلى أساس متين من الثقة بأن هذا المستقبل سيكون أفضل إذا تم العمل على تأسيس قواعد متينة تضمن صلابة البناء والثقة بالآتي. الزمن مثلث متساوي الأضلاع لا يقصر ضلع فيه ولا يزيد على حساب بقية الأضلاع وإلا اختل هذا التساوي وتحول المثلث إلى مسمى آخر، لكن المحافظة على تساوي الأضلاع مهمة صعبة لدى معظم الناس عندما لا تتساوى أضلاعه، فتتحول إحدى زواياه إلى زاوية منفرجة على الماضي أو الحاضر أو المستقبل، أو حادة على أحدهما دون أن النظر بواقعية لما تفرضه الحياة من توازن في تفكير وسلوك الإنسان، فالمشدود إلى الماضي لا يرى ما يحمله الحاضر من معطيات إيجابية جعلت الحياة أسهل في بعض جوانبها، وأصعب في جوانبها الأخرى، وهذه تعقيدات لا مجال للهروب منها إلى زمن آخر، وكذلك الغارق في الحاضر لا يرى ما يحمله الماضي من معطيات إيجابية أثرت على حياته وأثرتها بالكثير من جوانب العطاء الإنساني الرائع الذي أسس لهذا الحاضر بما له وما عليه. لكن أين المستقبل من خريطة تفكير ذلك المشدود للماضي أو الغارق في الحاضر، هذا المستقبل لا يرتكز فقط على المنجز الإيجابي الذاتي، ولكنه يتعدى ذلك إلى منجزات عامة يمكن أن تستفيد منها الأجيال، وهكذا حال الأمم الناهضة التي أسست لمستقبل ضمن لها التواجد الفاعل على المستويين الإقليمي والدولي، بعد أن ضمن لها الرفاهية والحرية والاستقرار والأمن على المستوى المحلي، ولم يكن هذا ليتحقق لولا التفكير الإيجابي في المستقبل، والعمل على تأسيس قواعد صلبه لمستقبل مشرق يستفيد من تجارب الماضي ومعطيات الحاضر، وهذا التواصل بين الأجيال هو الضمانة لردم الهوة السحيقة التي يدركها الجميع بين الماضي والمستقبل، وإذا كان الماضي في حكم التاريخ والمستقبل في حكم الغيب، فإن مهمة الحاضر/ الإنسان على المستوى الفردي، والمجتمع بكل أطيافه، والدولة بكل مؤسساتها.. العمل على بناء المستقبل بما يجعله ضمانة أكيدة لمقومات حياة حرة مستقرة وآمنة، يتمتع فيها الفرد بالرفاهية والمجتمع بالحرية والدولة بالقوة والصلابة، والقدرة على الإسهام في صناعة التاريخ. ما بين الماضي والمستقبل لا بد من جسر الوفاء لذلك الماضي بالاستفادة من منجزاته، والمستقبل بما يحمله من آمال وتطلعات لغد مشرق وجميل، وهذا الجسر من الوفاء يبنيه الحاضر، ويشيده أبناء هذا الحاضر، بكل الإيمان الذي يحملونه في جوانحهم بالغد الأفضل، وبكل العزيمة والإصرار للبناء الذي يضمن ذلك الغد الأفضل، وهذا الجسر من البناء لا يبنى بالنوايا الحسنة، ولكنه يبنى بالتخطيط والتصميم والتضحية، وسلاح ذلك العلم وليس الجهل، والتصميم وليس التخاذل، والبناء وليس الهدم، والمحبة وليس التشاحن والبغضاء والإقصاء المذهبي أو الطائفي أو القبلي. تبني الأمم أمجادها بالعمل وليس بالكسل، ولكنه العمل المبني على رؤية واضحة وتخطيط سليم وعزيمة صادقة لاكتساب القوة في كل المجالات السياسية والاقتصادية والصناعية، وقبل ذلك وبعده قوة إيمان الإنسان برسالته ودوره في بناء نفسه ومجتمعه ووطنه والعالم. فما أحوجنا إلى بناء جسر الوفاء بين الماض والمستقبل! [email protected]