15 سبتمبر 2025

تسجيل

التسرع ثمرته الندم

26 فبراير 2012

هل فكرت قليلا يوما قبل الحكم على الاخرين، ام انك دائم التسرع فى اطلاق الاحكام دون تريث او تأن؟ هل تعطى لنفسك الفرصة لتعرف من حولك جيدا ام ان افعالك تسبق تفكيرك دائما؟ ان التسرع باصدار الحكم على الاخر والاندفاع دائما ما يعرضنا للإحراج والاحساس بالذنب تجاهه فإذا كنت من الأشخاص دائمي التسرع فى الحكم على الاخر دون تروٍّ فاسمع معى هذه الحكاية التى قرأتها وتأثرت بها كثيرا ووددت ان اشارككم بها.. يقول راوى الحكاية انه كان فى يوم من الأيام فى القطار وكان الركاب جالسين فى سكينة وهدوء بعضهم يقرأ الصحف، وبعضهم مستغرق بالتفكير، وآخرون فى حالة استرخاء كان الجو مفعما بالهدوء، وفجأة صعد رجل بصحبة أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم وهرجهم عربة القطار، جلس الرجل الى جانبي وأغلق عينيه غافلا عن الموقف كله، كان الأطفال يتبادلون الصياح ويتقاذفون بالأشياء بل ويجذبون الصحف من الركاب وكان الامر مثيرا للازعاج، ورغم ذلك استمر الرجل فى جلسته الى جوارى دون ان يحرك ساكنا لم أكن اصدق أن يكون على هذا القدر من التبلد والسماح لأبنائه بالركض هكذا دون أن يفعل شيئا، ويقول الراوي انه بعد ان نفد صبره التفت الى الرجل قائلا: ان اطفالك يسببون ازعاجا للكثير من الناس وانى لأعجب انك لا تكبح جماحهم انك عديم الاحساس!!! فتح الرجل عينيه كما لو كان يعي الموقف للمرة الاولى وقال بلطف: نعم انك على حق، يبدو انه عليّ ان افعل شيئا ازاء هذا الامر.. لقد قدمنا للتو من المستشفى.. حيث لفظت والدتهم انفاسها الاخيرة منذ ساعة واحدة، اننى عاجز عن التفكير ولا أعلم كيف اقول لهم هذا الخبر.. فكلما رأيتهم يلعبون ويمرحون يعجز لسانى عن الكلام.. يقول راوى الحكاية: تخيلوا شعورى انذاك!!! فجأة امتلأ قلبى بآلام الرجل وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود وقلت له: هل ماتت زوجتك للتو؟! انني آسف، هل يمكننى المساعدة؟ لقد تغير كل شيء فى لحظة واحدة وشعرت بالاحراج من نفسى ومن تسرعى بحكمى على ذلك الرجل واتهامه بعدم الاحساس. ما رأيك عزيزى القارئ بهذه القصة وكم مرة تعرضنا فيها الى نفس هذا الموقف وذلك بسبب التسرع فى الحكم على الاخر، وبسبب عدم اكتشاف الاخر اكتشافا صحيحا، فالتسرع دائما ما نجني من ورائه الندم فلا يمكن استرجاع الكلمات بعد نطقها، ولا يمكن استرجاع الخطأ بعد وقوعه، إن التأني والحلم والرفق ومجاهدة النفس دليل رجاحة العقل واتزان النفس، وعلى العكس والنقيض فان التهور والاندفاع دليل خفة العقل وجهالة النفس، وقال سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه "التروى فى كل امر خير، الا ما كان من امر الاخرة" فكم من الحماقات ترتكب بسبب التهور وعدم التأني، وكم من الصداقات تقطعت بسبب التسرع والتهور والعجلة، وكم من المشكلات تقام لهذا السبب، وكم من البيوت تهدم لهذا السبب ايضا! قال الامام الغزالى "الاعمال ينبغى ان تكون بعد التبصرة والمعرفة، والتبصرة تحتاج الى تأمل وتمهل والعجلة تمنع من ذلك وعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الانسان من حيث لا يدرى". وأخيرا الى كل من يتصف بالتسرع والعجلة اهديه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "ان فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم والاناة" صدق رسول الله، فما أحوجنا الى التحلى بهذا الخلق الطيب فى بيوتنا ومجتمعاتنا التى تعاني من التسرع والعجلة فى اتخاذ القرارات، وسوء المعاملة رزقنا الله وإياكم الحلم والاناة وحسن الخلق. وسلامتكم. [email protected]