22 سبتمبر 2025
تسجيلأعلنت جماعة الإخوان المسلمين بعد نجاح ثورة يناير وتنحي المخلوع حسني مبارك أنها لن تتقدم لشغل منصب الرئيس في إطار سياستها العامة القائمة على منطق المشاركة وليس المغالبة مع القوى السياسية الأخرى. وكانت الجماعة بهذا الإعلان تستبق أية محاولة للتخويف من سيطرة التيار الإسلامي على الحياة السياسية في ظل المؤشرات التي كانت تؤكد حينها أنه في حال إجراء أية انتخابات فإن الإسلاميين سيحصلون على الأغلبية فيها مقارنة بالتيار العلماني بشقيه الليبرالي والاشتراكي، الذي لن يحصل سوى على نسبة ضئيلة جدا. كما أن إعلان الجماعة هذا كان رسالة موجهة للمؤسسة العسكرية التي آلت إليها السلطة بعد نجاح الثورة، حتى لا تقف حجر عثرة أمام عملية التحول الديمقراطي كما حدث في تجربة الجزائر في تسعينيات القرن الماضي وهو ما أدى إلى دخول البلاد في حرب أهلية راح ضحيتها عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء. وجاء الرد سريعا من المجلس العسكري الذي أخذ يتقرب من الجماعة ويستطلع آراءها في كيفية الخروج من المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بأقل الخسائر الممكنة. ورغم أن هذا التقارب لم يدم طويلا بسبب محاولات المجلس العمل على ترتيب الساحة السياسية بالشكل الذي يسمح له باستمرار دوره في العملية السياسية حتى بعد تسليمه السلطة للمدنيين، إلا إنه عمل على إبقاء خيط رفيع يساعده على استعادة هذا التقارب في اللحظة التي يراها مناسبة لبدء مفاوضات تسليم السلطة إذا ما تحققت النبوءات التي تتحدث عن إمكانية حصول التيار الإسلامي على أغلبية كبيرة في البرلمان الجديد. وهو ما حدث بالفعل بعد الانتخابات التشريعية التي حصل خلالها الإسلاميون على حوالي %75 من مقاعد البرلمان. فبدأ المجلس العسكري في التقارب مرة أخرى مع جماعة الإخوان من أجل الدخول في مفاوضات تسليم السلطة للاتفاق على دوره المستقبلي ونصيبه في هذه السلطة الذي حدده بمنصب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون عسكريا أو في أقل الأحوال موال للمؤسسة العسكرية. وجاءت تصريحات الجماعة لتعطي إشارات متوافقة مع ما يريده المجلس العسكري باعتبار أن هذا يحقق عدد من الأمور المطلوبة لعبور مرحلة بناء الدولة الديمقراطية. فهو أولا سيحمي مصر من إمكانية حدوث انقلاب عسكري يقضي على الثورة ونتائجها، كما أنه ثانيا سيدفع عن التيار الإسلامي تهمة محاولة السيطرة على الحياة السياسية، فضلا عن الحصول على مساعدة المؤسسة العسكرية في عملية إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يتوافق وبنية الدولة الجديدة، وهو من الأمور المهمة للغاية، إذ أن بقاء هذه الأجهزة بنفس الثقافة الحاكمة لها سيؤدي إلى فشل أية محاولة لبناء الديمقراطية كما أكدت أحداث الشهور التالية للثورة. في هذا الإطار جاءت تصريحات قيادات الجماعة وحزبها الحرية والعدالة عن الرئيس التوافقي وفق عدة شروط أبرزها ألا يكون محسوبا على التيار الإسلامي، وهو ما يعني عدم صلاحية أهم ثلاثة مرشحين للمنصب، وبالتالي الاستعداد لطرح مرشح جديد يكون متوافقا عليه بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية. لكن الأيام الأخيرة شهدت تراجعا في موقف الجماعة تمثل في التصريح الذي أدلى به مرشدها العام الدكتور محمد بديع الذي أكد أن الإخوان سيؤيدون مرشحا ذي جذور إسلامية، مع تواتر الأنباء التي تتحدث عن الدفع بشخصية إسلامية جديدة. ويتزامن هذا التغيير مع تغيير الجماعة لموقفها الرافض لتشكيل حكومة بقيادتها، وذلك من أجل محاولة إنقاذ البلاد من الحالة المتردية التي وصلت إليها. ورغم أن هذا التغير في موقف الجماعة ارتبط بتغير في موقف المؤسسة العسكرية التي ترفض حتى الآن تحديد ميعاد واضح لانتخابات رئيس الجمهورية رغم إعلان فتح باب الترشيح، والذي يمكن قراءته على أنه تعثر في المفاوضات الجارية بين الإخوان والجيش كانت نتيجته عدم الإعلان عن موعد الانتخابات فردت الجماعة بتغيير موقفها.. إلا إنه يدخل في إطار الموقف الجديد للجماعة الساعي إلى حصول الإسلاميين على السلطة التنفيذية من أجل الوقوف أمام المحاولات الجارية لإفشال تجربة الحكم الإسلامي في مصر. حيث يسعى الإخوان إلى وصول أحد الإسلاميين إلى منصب رئيس الجمهورية مع توليها لقيادة الحكومة الجديدة. وبالتالي السيطرة على جناحي السلطة التنفيذية وفقا للدستور الجديد الذي سيأخذ بالنظام السياسي المختلط القائم على إيجاد رئيس قوي وبرلمان قوي وبينهما حكومة مشتركة مسؤولة. ولن يكون أمام المؤسسة العسكرية إلا القبول بالموقف الجديد للإخوان والتيار الإسلامي وتقديم مزيد من التنازلات فيما يتعلق بانتخاب الرئيس الجديد، خاصة أن المجلس العسكري لم يعد لديه الكثير من الأوراق التي يمكن أن يلعب بها في مواجهة الإخوان، في ظل الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها من الشارع.