17 سبتمبر 2025
تسجيلأكيد أن من أبناء جيلي من يتذكر محنة المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي الذي أصدر كتابا جريئا وموضوعيا وصادقا بعنوان (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) وكانت تربطني بهذا الرجل الشهم علاقة صداقة متينة منذ السبعينات حين نشرت له كتابه المتميز (حوار الحضارات بين الإسلام والغرب) وكنت أشتغل في مؤسسة (جون أفريك) للنشر في باريس وأدركت أن هذا الكاتب الكبير تحول من عضوية القيادة العليا للحزب الشيوعي الفرنسي الى الإسلام ومن خلال كتابه ذاك أنصف ديننا الحنيف واتهم الغرب الجائر بالظلم والحيف والهيمنة ثم وفي سنة 1998 أحاله القضاء الفرنسي حسب قانون (غايسو) العجيب إلى المحاكمة بتهمة «التشكيك في أرقام الهولوكوست» و ما كان مني إلا أن أسست لجنة عالمية للدفاع عن جارودي برعاية جريدة الشرق القطرية وهي السباقة لكل عمل صالح. ودعونا جارودي الى الدوحة وحضرت أنا محاكمة الرجل في محكمة باريس ووقع الاعتداء بالعنف علي وعلى المحامين من قبل ميليشيات تدعى «مقاومة معاداة السامية» و حكم على جارودي بالسجن وبدفع غرامة قدرها 20 الف دولار وأعفي الرجل من السجن بسبب سنه المتقدمة وجمعنا المبلغ وسددناه. عادت لي ذكرى جارودي اليوم وأنا أطالع كتبا منصفة للحقيقة نشرها مؤرخون إسرائيليون بنفس العنوان وهو (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل)!! والكتاب الذي بين أيدينا اليوم «عشرة أساطير عن إسرائيل» يكشف حقائق الصراع والأساطير التي قام عليها والاستراتيجيات التي يتبعها العدو في إدارته وأسباب الانحياز الغربي السافر في دعم العدوان. وكاتب هذا الكتاب هو المؤرخ الإسرائيلي (إيلان بابيه). ويفند بابيه الأساطير العشرة التي قامت عليها الرواية الإسرائيلية، أبرز تلك الأساطير : *فلسطين أرض بلا شعب:ادعت الحركة الصهيونية أن فلسطين هي أرض بلا شعب، وأنها كانت خالية من السكان قبل أن يسكنها اليهود. في الحقيقة، هناك إجماع بين العلماء على أن الرومان هم الذين أطلقوا على الأرض اسم «فلسطين». وفي فترة الحكم العثماني لفلسطين عام 1517 والذي استمر 400 عام، كانت فلسطين مجتمعا مسلما سنيا وريفيا. وكانت النسبة المئوية الدقيقة لليهود قبل صعود الصهيونية تراوح بين 2 و5%. * إسرائيل هي استعمار استيطاني: وهي تسمية ترتبط بحقيقة هذا الاستعمار المماثل للاستعمار الاستيطاني الغربي: إبادة السكان الأصليين، وتجريدهم من إنسانيتهم وحقوقهم. * اليهود شعب بلا أرض: طبقا لكتاب شلومو ساند «اختراع الشعب اليهودي» فإن العالم المسيحي من أجل مصلحته الخاصة تبنى فكرة اليهود كأمة يجب أن تعود يوما ما إلى الأرض المقدسة. عودة ستكون جزءا من المخطط الإلهي لنهاية العالم، والمجيء الثاني للمسيح. إذن فالصهيونية قبل أن تصبح مشروعا يهوديا فهي مشروع مسيحي للاستعمار وخطة استراتيجية للاستيلاء على فلسطين وأدى ذلك إلى صدور وعد بلفور عام 1917. * الصهيونية هي اليهودية: منذ نشأتها في منتصف القرن 19، كانت الصهيونية تعبيرا واحدا فقط غير أساسي عن الحياة الثقافية اليهودية. وكان الدافع لولادتها في المجتمعات اليهودية في وسط وشرق أوروبا هو: البحث عن الأمان داخل مجتمع يرفض دمج اليهود على قدم المساواة ويضطهدهم أحيانا. وكذلك الرغبة في محاكاة الحركات الوطنية الجديدة الأخرى التي انتشرت في أوروبا في ذلك الوقت. لذا سعى هؤلاء اليهود إلى تحويل اليهودية من دين إلى أمة. * الصهيونية ليست استعمارا:بحلول عام 1945، جذبت الصهيونية أكثر من نصف مليون مستوطن إلى بلد كان عدد سكانه حوالي 2 مليون نسمة. وكان السبيل الوحيد أمام المستوطنين لتوسيع قبضتهم على الأرض وضمان أغلبية ديموغرافية حصرية هو إزالة السكان الأصليين من وطنهم، * الهجرة الطوعية للفلسطينيين: القيادة الصهيونية والمنظرين الصهاينة لم يتمكنوا من تصور تنفيذ ناجح لمشروعهم دون التخلص من السكان الأصليين إما بالاتفاق أو بالقوة. وفي الآونة الأخيرة، وبعد سنوات من الإنكار قبل المؤرخون الصهاينة مثل (أنيتا شابيرا) أن قادة الحركة الصهيونية فكروا بجدية في نقل الفلسطينيين من إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط : حتى عام 1967، كان الفلسطينيون الذين يمثلون 20٪ من مواطني إسرائيل يعيشون تحت حكم عسكري قائم على أنظمة الطوارئ البريطانية الصارمة التي رفضت أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية. وكان الحكام العسكريون المحليون هم الحكام المطلقون لحياة هؤلاء المواطنين: يمكنهم وضع قوانين خاصة لهم وتدمير منازلهم وسبل عيشهم وإرسالهم إلى السجن كلما شعروا بذلك. * أسطورة سلام أوسلو: في 13 سبتمبر 1993، وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إعلان مبادئ، يُعرف باسم اتفاق أوسلو. يقول (بابيه): ينبغي أن نعترف بأن عملية أوسلو لم تكن سعيا عادلا لتحقيق السلام بل كانت حلا توفيقيا وافق عليه شعب مهزوم . حماس حركة إرهابية: حماس هي حركة تحرير وهي أحد الممثلين الرئيسيين على الأرض. ومنذ بدايتها عام 1987 وحتى الآن، انخرطت في صراع وجودي ضد الغرب وإسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد أعلنت قبولها لإنسحاب إسرائيلي كامل من جميع الأراضي المحتلة مع هدنة مدتها عشر سنوات قبل أن يتم مناقشة أي حل مستقبلي. وعلى الرغم من فوزها عام 2006 بأغلبية المجلس التشريعي وتشكيلها لحكومة فلسطينية فإنها ووجهت بمقاومة شديدة من إسرائيل وفتح وتم طردها من الضفة الغربية وحصرها في قطاع غزة. ترفض حماس اتفاق أوسلو والاعتراف بإسرائيل وتعلن التزامها بالكفاح المسلح.