16 سبتمبر 2025

تسجيل

احترام أهل العلم

26 يناير 2019

أعلَى الله تعالى شأنَ العلم لما فيه من صلاح العباد وتنظيم شؤون دنياهم، وكذلك الاستعداد والعمل لآخرتهم، ومن عظيم فضل العلم أنه يرفع مَن يحمله؛ فالعلماء فضلهم كبير ومقامهم رفيع بفضل حملهم للعلم والعمل به وتعليمه لغيرهم، فقد استشهد الله سبحانه بأولي العلم على أمرٍ عظيمٍ وهو توحيده؛ فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18]. وقد نفى الله تعالى التسوية بين أهل العلم وبين غيرهم كما نفى التسوية بين أصحاب النار وأصحاب الجنة؛ فقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. كما قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر: 20]. وهذا يدل على غاية فضلهم وشرفهم. كما جعل سبحانه أهلَ الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون فقال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد: 19]. وجاءت السنة النبوية توضح كل هذه النصوص القرآنية؛ فعن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: ذُكِر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عالِم والآخر عابد فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ) [صحيح الجامع]. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين يحملون دعوة الأنبياء ورسالتهم السامية، فهم أمناء على دعوة السماء بعد الرسل الكرام، يُعلِّمون الجاهل، ويُرشدون الضالَّ، ويُقوِّمون المعوَجَّ، وهم أهل الخشية من الله تعالى، فهم أعلم الخلق بحقوق الله وقدرته وكماله وجلاله، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨]. فالعلماء يُقدِّرون العلم ويحثون الناس على تعلُّمه وحَمْله. قال الإمام أحمد -رحمه الله-: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاج إليه بعدد أنفاسه. ولأجل هذا التقدير الذي منحه الله للعلماء وجب علينا جميعًا احترام وتوقير علمائنا ومشايخنا الذين بذلوا الكثير من أوقاتهم في طلب العلم والحرص على البحث والتحقيق والتأليف حتى يُخرِجوا لنا العلوم المختلفة بصورة سهلة ميسَّرة. وليعلم شبابنا أن توقير العلم والعلماء من إجلال الله -تعالى- وتعظيمِ شريعته، وامتثالِ أمره، فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ، وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)) [رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني]. ومن الأخطاء الخطيرة التي يقع فيها بعض الناس اليوم الاستهزاء بالعلماء والمشايخ وينتقص من فضلهم وقدرهم، وهذا أمر مؤسف أن نتطاول على من أفنَوْا أعمارَهم وشابت لِحَاهم في الدراسة والتحقيق للعلم النافع لنا جميعًا، ومنهم من توفاه الله سبحانه وقد قدم للأمة الخير العظيم الذي ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم. فيجب على كل مسلم أن يوفيهم حقَّهم من التقدير والإحترام، وعدم غيبتهم والتجريح في أشخاصهم والتعرض إلى أكل لحومهم والتكلم في أعراضهم. وما يوجد من بعض الناس في بعض المجالس أو المنتديات أو وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض وسائل الإعلام من انتقاصٍ أو ازدراء لأهل العلم؛ بسبب خلافهم، أو قولهم الحق والصدع به - يجب إنكارُه والردُّ على قائله ونصحه؛ لأن الوقوع في العلماء إسقاطٌ لهم ولهيبتهم، وحرمانٌ للناس من الإفادة من عِلمهم، وحينئذٍ يتَّخذ الناسُ رؤوسًا جهَّالًا، فيُفتون بغير علم فيَضِلّون ويُضِلُّون الناس. نسأل الله تعالى أن يرحم من سبقونا من العلماء والمشايخ الأجلاّء، وأن يجزهم عنا خير الجزاء، ويسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يوفق أهل العلم المتواجدين في عصرنا وأن يجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وسائر المسلمين والمسلمات يا رب العالمين.