17 سبتمبر 2025
تسجيلما تقوم به العناصر الفوضوية الجاهلة في اليمن وفي ليبيا من فوضى عارمة لم يترك لشعوب هذه البلدان غير الحزن على رحيل ربيعها المبكر الذي رحل وزاول الروض ولما يكتمل بدر التمام. لقد أملت شعوبنا العربية في أن يكون مقدم ما أطلقت عليه الربيع العربي، أن يكون فاصلا بين عصرين، عصر غابت فيه الإرادة والمشاركة الشعبية، وعصر يستلزم حضور هذه الإرادة بما يتوافق مع ديدن الحياة القادمة مع عصر الألفية الثالثة الواعد بكثير من الإيجابيات، والمنذر في نفس الوقت بالكثير من السلبيات بسبب ارتفاع سقف الطموحات الوطنية على المستويين الرسمي والفردي لا فرق. لقد فوجئت شعوب الربيع العربي بسلوكيات شباب معطل الذهن، ضحل التفكير، ولا قدرة له على التمييز، ربما بسبب الحيوات المنغلقة التي عاشها هذا الشباب في واقع سالب لا يتيح رؤية ثاقبة، ولا يوفر سبيلا ينفذ بهم إلى فضاءات أرحب من التفكير السليم. يكفي المرء حزنا أن يشاهد الشباب اليمني والشباب الليبي على مدار الساعة وهو يحمل معاول الهدم بدلا من معاول البناء والتشييد وينهمك في تدمير القليل الموجود بطبيعة الحال، دون أن يسأل الواحد منهم نفسه سؤالا بسيطا: لمصلحة من يفعل هذا. إن هؤلاء المساكين عقليا، والمسيرين كما تسير قطعان الضأن الخاملة عن الحجى، لن يحيروا جوابا عن سؤال مثل هذا. فهم ليسوا في عير الفهم السياسي، ولا في نفيره لكي يدركوا أنهم أصبحوا مجرد أدوات في يد قوى خفية تحركهم كما تحرك قطع الشطرنج تنفيذا لأجندة طائفية لا يرى أصحابها أبعد من مواقع أقدامهم المتعثرة. إن الدماء الغزيرة التي سالت في بعض ساحات ثورات الربيع العربي كان الأمل أن يكون عائدها أثمن مما حصلت عليه شعوب وبلدان وأسر الذين قدموا تلك الدماء الذكية. إن الأماني تعز عند الطلب، لقد فاجأت ثورات الربيع العربي الطغاة الحاكمين على حين غرة فاستسلموا منهزمين، ولكنهم سرعان ما استعادوا زمام المبادرة بحكم خبراتهم الممتدة في حبك وتوليف المؤامرات ضد شعوبهم. إن ما يفعله الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح باليمن اليوم هو ذبح لأماني الثوار اليمنيين على رؤوس الأشهاد وتأكيد عملي للمقولة السالبة المشهورة: إما فيها وإما أطفيها!