29 أكتوبر 2025
تسجيلفي الذكرى السنوية الرابعة لثورة 25 يناير الشعبية الخالدة في مصر، نستحضر أرواح الشهداء والمضحين من صفوة الشباب المصري الذين قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل خلق مصر جديدة وحرة تكون عنوانا للنهضة والانطلاق التي تتناسب مع إمكانيات و قدرات الشعب المصري صاحب التاريخ الحافل بالعطاء والإنجاز على مستوى الحضارة الإنسانية. لم تكن ثورة الشعب المصري التي اندلعت قبل أربعة أعوام مجرد هوجة جماهيرية مفاجئة، ولا هي ( انتفاضة حرامية ) كما اعتاد البعض وصف انتفاضات الشعوب !! كما أنها لم تكن مغامرة عابرة، بقدر ما كانت تعبر عن خزين هائل من الغضب الشعبي تجمع على مدى عقود طويلة وأنتج هذا الحراك الجماهيري الهائل الذي هز الشرق بأسره، وأنتج وضعا مصريا ثوريا شعبيا خالدا خرجت مع الجماهير المليونية وهي تردد شعار (باسم الله.. الله أكبر.. باسم الله ) وهو نفس شعار النصر العظيم في حرب العبور يوم السادس من أكتوبر الخالد عام 1973، خرجت جماهير الشباب والشعب المصري وهي تحلم بمصر حرة قوية مستقرة، فإذا بحقائق السياسة وخفاياها الكواليسية تحول الحلم لكابوس بعد تحقيق الانتصار وفرض التغيير بكلفة دموية ليست سهلة أبدا تعود الشعب المصري عبر التاريخ بصبر وثبات على دفع كافة فواتيرها ومستحقاتها، انتصرت الثورة، وانتصرت دماء الشهداء على سيوف الطغاة وبلطجتهم، ولكن لا تزال المسيرة طويلة ومكلفة وعامرة بالأشواك والمطبات والألغام! في تاريخ الثورات العالمية منعطفات حادة ولحظات توقف وانكسار وتراجع و لربما نكسات.. و لكن يظل الهدف الدائم للشعوب الحرة تحقيق الأهداف مهما بلغت التضحيات وهذا ما يفعله الشعب المصري اليوم، بعد أن تداخلت أوراق وملفات وقضايا لتحيل فرحة الثوار لأحزان وحيث برزت الثورة المضادة الكامنة في أعماق دهاليز الدولة العميقة، لتعود حقبة هيمنة العسكر على الشارع السياسي والحياتي من خلال التوجه لضرب الجماهير المنتفضة ومعاقبة السواعد التي كان لها شرف الإطاحة بحكم الاستبداد المتوارث وحيث غمرت الدماء الشبابية المصرية العبيطة شوارع مصر وحاراتها وهي ترفض كل صيغ الانقلاب على إرادة الجماهير بصيغ الغدر والخداع المعروفة، لقد ناضل شعب مصر منذ أيام الاحتلال البريطاني عام 1882 دون هوادة وأنتج ثورة عام 1919 الشعبية التي وحدت الأمة المصرية وشحذت هممها لقيام وتأسيس الدولة العصرية اللائقة بشعبها وظل شعب مصر طيلة العهد الملكي يناضل من أجل حياة أفضل ومصر أحدث وأروع وحدثت حركة الجيش في 23 يوليو 1952 لتشكل حدثا استثنائيا وبارزا في تاريخ الشعب سرعان ما تحولت الحركة لصراع بين الضباط انتهى بتنحيات وتصفيات وهيمنة لطرف على أطراف أخرى وتأسست الدولة القمعية بشعارات وأهداف ومصالح الحرب الكونية الباردة وانتكست الديمقراطية وفتحت أبواب السجون والمعتقلات المدنية والعسكرية الصحراوية وشيدت دولة المخابرات التي انهارت مع عاصفة هزيمة حرب الأيام الستة في 5 يونيو 1967 التي فضحت هشاشة البنيان السلطوي المرتكز على التسلط والكذب على الذات والآخرين والمزهو بأحلام العظمة الفارغة.. لقد تهاوت أصنام الهزيمة وظل الشعب المصري مقاوما صابرا صامدا وهو يخوض بتحد وشراسة حرب الاستنزاف حتى جاء يوم النصر العظيم في السادس من أكتوبر 1973 الذي رسم لمصر بعدها مسارا وتاريخا مختلفا، لقد دعت الثورة الشعبية المصرية للعدالة والحرية وقيام دولة الحق والمؤسسات وهي دعوة تظل حية وقائمة رغم بعض الانتكاسات الميدانية التي تطرأ على جميع الثورات كما علمنا تاريخ العالم وتاريخ الثورة الفرنسية بالذات التي لم تستقر سفينتها النهائية إلا بعد مراحل شرسة من الصراع والتحولات، ولكن مع الذكرى السنوية الرابعة لثورة 25 يناير يحز في النفس كثيرا أن نرى دماء شباب وشابات مصر لا تزال تنزف في ساحات الاحتجاج وميادينه ولا زلنا نحلم بمصر حرة جديدة ومختلفة تكون عنوانا للتقدم والحضارة، الدم يستسقي الدم، وشباب مصر عاقدو العزم على تحويل مصر أرض السلام كما كانت على الدوام.. للشهداء الرحمة والتقدير والإجلال، وللمناضلين من أجل الحرية والسلام كل الاحترام.. مصر التي في خاطري لم تزل على العهد رغم ظلام الاستبداد والقهر.