11 سبتمبر 2025

تسجيل

أربع سنوات من ثورة عظيمة

26 يناير 2015

بالأمس مرت بالتمام والكمال أربع سنوات على ثورة الخامس والعشرين من يناير في المحروسة والتي شكلت حدثا فارقا في تاريخها على نحو يؤكد أن ما شهدته من استبداد وتسلط ونشوء معادلة امتلاك السلطة والثروة لدى النخبة الحاكمة وغياب العدالة الاجتماعية والمحددات الديمقراطية لن يعود مرة أخرى أو بالأحرى لن يسمح به الشعب المصري وفي هذه العجالة أود أن ألفت إلى جملة من الملاحظات الرئيسية. أولا: إن محاولة وصف ثورة يناير بالمؤامرة من قبل دوائر ترتبط بنظام مبارك لم تجد نفعا رغم الهالة الإعلامية التي صاحبت محاكمته ثم الحكم ببراءته. فقد انبرى لفيف من المفكرين والسياسيين والإعلاميين لتفنيد ودحض هذا الطرح وإثبات فساده والمسألة لم تتطلب جهدا استثنائيا، فما كان ما يجري على الأرض في زمن مبارك بلغ الذروة في الفساد والتحكم في العباد والبلاد، فضلا عن السعي الحميم وبقوة لتوريث الحكم لنجله رغم كل النفي الرسمي الذي جاء غير مرة على لسان الرئيس الأسبق وبل على لسان جمال نفسه. فقد كانت الممارسات تؤكد ذلك بقوة فجمال كان يطلق عليه لقب الرئيس داخل مؤسسة الحكم وكان يعامل من حيث البرتوكول والتأمين الأمني معاملة رؤساء الدول. وقد لفت انتباهي وكنت في طريقي إلى مطار القاهرة الدولي لتوديع زوجتي والتي كانت تستعد للسفر للسعودية لأداء فريضة العمرة أن ثمة رجال أمن منتشرين على جانبي الطريق- في تشريفة لا تجري إلا لرؤساء الدول - من منطقة مصر الجديدة، حيث قصر الحكم إلى المطار وكنت أعلم بحكم عملي أن مبارك ليس على موعد للقيام بزيارة خارجية أو أن أحدا من رؤساء الدول الأخرى سيحط ضيفا على القاهرة وعندما تحريت الأمر علمت أن جمال مبارك في طريقه إلى واشنطن في إحدى رحلاته لتسويق نفسه كرئيس قادم وهو الأمر الذي أبدت واشنطن وتلك واحدة من المفارقات الأمريكية قبولا به مقابل استمرار مصر في عهده كواحدة من أهم حلفاء مصر في المنطقة ولكن على أسس تابعة وليس بناء على قواعد الندية المعروفة في التحالفات الإستراتيجية وهذه المعلومة بالذات جعلتني على يقين بأن مبارك الابن قادم بقوة لصدارة المشهد المصري وكان ذلك بعد عودتي من الدوحة التي أمضيت فيها فترة عمل اقتربت من العشرين عاما وكل ذلك يؤشر إلى أن الشعب المصري هو الذي تحرك بعد أن ضاقت به السبل وعجزت كل محاولات الإصلاح من الداخل خاصة بعد التزوير الفاضح في انتخابات مجلس الشعب التي جرت في العام 2010 لينهي حكما، لم يشأ على الأقل في سنواته العشرين الأخيرة أن ينحاز إلى الجماهير التي كابدت وصبرت على سياساته والتي أفضت في النهاية على الرغم مما يبدو على السطح من إنجازات إلى أن أكثر من أربعين في المائة من الشعب تحت خطر الفقر مع انهيار واضح في الطبقة الوسطى التي تآكلت في العشر سنوات الأخيرة لصالح نمطين، أولهما التوسع السافر في نمو طبقة رجال الأعمال والأثرياء الجدد الذين باتوا يمتلكون النصيب الأكبر من الأصول المالية للبلاد والثاني التمدد في الطبقات الفقيرة ونشوء العشوائيات وانتشار فادح لأطفال الشوارع وتصاعد في معدلات البطالة في ظل غياب سياسات وقواعد العدالة الاجتماعية على نحو أظهر مصر وكأنها واحدة من عتادة الدول التي تطبق ما بات يعرف في الأدبيات السياسية والاقتصادية بالليبرالية المتوحشة.ثانيا: إن ثورة يناير جاءت ضمن شرارة ثورية انطلقت من تونس التي قدم شبابها وشعبها نموذجا في الفعل الثوري المصر على إسقاط نظام عفا عليه الزمن وكرس لبقائه من دون أن يمتلك مقوماته، فقط من أجل أن تحصد الأسرة التي ينتمي إليها رأس النظام على أكبر قدر من السلطة والثروة دون أن يقدم في المقابل أي شيء لشعبه إلا اللمم البقايا، بينما جوهر المطالب الشعبية كامن في دوائر التجاهل وقل النسيان المتعمد لم يكن بن علي أو مبارك يمتلكان القدر من الحصافة الذي يؤهلهما للتفاعل مع شعبيهما ولو كانت لديهما قراءة صحيحة للواقع لكان بإمكانهما أن يتحركا للاستجابة لهذه المطالب على الرغم مما كان يبدو وأنا هنا أتحدث عن الحالة المصرية من أن ثمة هامشا للحرية عبر بعض الصحف المستقلة والخاصة، فضلا عن القنوات الفضائية الخاصة ولكني أدركت بعد فترة من التفاعل مع المشهد المصري بشقيه السياسي والإعلامي، أن كل ذلك كان آلية كان يشرف على تنفيذها أحد رموز النظام الكبار وتهدف إلى التنفيس عما في الصدور وهو ما أطلقت عليه ذات يوم إتاحة حرية الصراخ وأحيانا الغضب في هذه الصحيفة أو تلك المحطة التلفزيونية. بيد أن الأمر لا يقترب من الفعل بما في ذلك الانتقادات التي كانت توجه إلى مبارك خاصة على صعيد التوريث وهو ما كان يصب عبر سياسة توزيع الأدوار بين رموز النظام الصحفية والإعلامية في خانة تكريس التوريث كواقع لتسويقه بين شرائح الشعب كأمر طبيعي. غير أن استمرار عوامل الخلل في بنية نظام مبارك بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية دفعت الشعب وعبر طليعته الشبابية إلى التحرك لوأد هذا النظام وتمهيد الطريق لنظام جديد يقوم على الحرية والديمقراطية والعيش والكرامة الإنسانية دون تدخل خارجي أو مؤامرة من قوى أخرى غير مصرية، فمن بوسعه خارج المحروسة أن يقوم بتحريك أكثر من عشرين مليون مصري من مختلف الشرائح والفئات، مسلمين ومسيحيين، ومن أفكار ومشارب سياسية وأيديولوجية شتى في تلاحم قلما يحدث في المحروسة إلا عندما تدلهم الأمور وتواجه الأمة وضعا شديد الصعوبة؟ إنه سؤال موجه لكل من وصفوا ثورة يناير بأنها مؤامرة كبرى وهو ما ينطوي على إهانة كبرى للشعب المصري.ثالثا: إنني مدرك أن ثمة إحباطا لدى دوائر واسعة من شعب المحروسة، لأن أهداف الثورة لم تحقق بالكامل فما زالت المعضلات الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية قائمة وهناك تململ واضح من استمرارها. بيد أن ذلك طبيعي في الثورات الكبرى التي تظل تتفاعل مع قوى مناوئة لها وتتعاطى مع إمكانات محدودة ولكن المؤكد أن هذا الشعب لن يرضى بديلا عن هذه الأهداف ولديه إصرار كامل على تحويلها إلى وقائع على الأرض وأظن أن البدايات مبشرة وستخطو المحروسة في المدى القريب خطوات أكثر فعالية وقدرة على التجاوب مع أشواق شعبها الكبرى لتستعيد عافيتها الداخلية ومن ثم عافيتها الإقليمية والقومية حتى يمكن للأمة أن تتفرغ للتعامل الحاسم والحازم مع المهددات الخطيرة التي نلمس تداعياتها بأيدينا ونراها بأعيننا.