13 سبتمبر 2025
تسجيلعلى الرغم من أهمية الطفرات النفطية للتقدم الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذه الطفرات كان لها أعراض جانبية مقلقة، بل إن البعض لا يتردد في وصفها بأنها "أثمان باهظة". إن آخر الإحصاءات المتوفرة تشير إلى أن مجموع "القوة العاملة" في دول المجلس تبلغ 7ر13 مليونا، منهم 4,15 مليون مواطن خليجي، مقابل 9,55 مليون عامل أجنبي، أي ما نسبته 70% تقريبا، أي أن هناك ثلاثة عمال أجانب، مقابل عامل خليجي واحد.من حيث المبدأ، قد يعتبر ذلك دليلا على التقدم الاقتصادي الذي حققته دول المجلس والتي تحولت في غضون ثلاثة عقود إلى أهم مركز تجاري ومالي إقليمي يتوسط المراكز التجارية والمالية في العالم. كما حقق الاقتصاد الخليجي معدلات نمو غير مسبوقة مستفيدا من العائدات النفطية الهائلة. وللإنصاف، فقد كان للخبرات والأيدي العاملة الأجنبية دور رئيسي في تحقيق هذه النقلات والتحولات الاقتصادية والنمو السريع الذي تحقق خلال السنوات الماضية، بل من الصعب تصور تحقيق ذلك دون هذه المساهمة الكبيرة للعمالة الوافدة.وفي الجانب الآخر، وصل مجموع تحويلات العاملين الأجانب من دول مجلس التعاون الخليجي 73 مليار دولار أمريكي في عام 2013 وفق بيانات صندوق النقد الدولي، حيث تتصدر دول المجلس مجتمعة بلدان العالم في حجم هذه التحويلات، مما ساهم في دعم اقتصاديات العديد من البلدان.هذه التطورات تؤكد على الاهتمام أكثر بمسألة "التوطين"، وذلك بعد التراجع النسبي لأعداد المواطنين والقوى العاملة المواطنة، حيث يشكل الأجانب أكثر من نصف عدد السكان، بل إن هذه النسبة تتجاوز 80% في العديد من هذه الدول.الاعتبارات الموضوعية تقول، إنه لابد من الاستمرار في المحافظة على معدلات النمو المرتفعة لأسباب محلية وعالمية تتعلق بالموقع المميز لدول مجلس التعاون في العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، باعتبارها أكبر مزود للطاقة في العالم، وكذلك الإسراع في عملية النمو للتحضير لمرحلة ما بعد النفط.هذا التوجه يعني الاستمرار أيضا في استقدام المزيد من الأيدي العاملة الأجنبية والتي يتوقع أن ترتفع أعدادها في السنوات القادمة، فالتوسع التنموي لا يمكن أن يتم دون الأيدي العاملة المدربة والتي لا تستطيع العمالة المواطنة سد العجز لكافة القطاعات في الوقت الحاضر.معادلة صعبة، إلا أن إيجاد صيغة توفيقية بين معدلات النمو المرتفعة والتنوع الاقتصادي الإستراتيجي من جهة والمحافظة على التوازن في سوق العمل من جهة أخرى، أمر ممكن في حده الأدنى على الأقل.والحال، فإن هذه اللوحة الفسيفسائية لسوق العمل الخليجي معقدة للغاية، ولا نريد هنا أن نقدم وصفات جاهزة، فمثل هذه الوصفات لا تناسب واقع التعامل مع هذا النوع من المعادلات الصعبة، إلا أن أسلوب التعاطي مع هذه القضية لابد وأن يطاله الكثير من التغيير مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة الأطراف، وهو ما تسعى إليه دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر.الحاجة للأيدي العاملة الأجنبية ستبقى قائمة لسنوات طويلة قادمة، بل بدونها لا يمكن الحديث عن معدلات نمو ومستوى معيشي مرتفع وتنوع اقتصادي، وهو ما يتطلب المحافظة على معدلات النمو المرتفعة هذه من خلال إعداد وتأهيل المواطنين وتغيير نظرة الرأي العام المحلي لقيمة العمل بالدرجة الأولى، وبالأخص العمل المهني الذي ينظر له غالبية الخليجيين حاليا نظرة دونية لا تتناسب وأهميته للتنمية الاقتصادية.إلى هذا، لابد من كسب الكفاءات الأجنبية التي تساهم بصورة فعالة في التنمية والإنتاج، مع التقليل من العمالة الأجنبية الفائضة والهامشية، خصوصا العاملين في المنازل والذين يشكلون نسبة كبيرة جدا من مجموع الأيدي العاملة الأجنبية، لكن هذا جزء من المهمة، فالمطلوب أيضا تعميق مفهوم المواطن المنتج والمساهم الفعال في التنمية المرتفعة والتي تتيح التحضير والاستعداد لمرحلة ما بعد النفط وتنويع مصادر الدخل القومي، وهي مسألة في غاية الحيوية لهذه البلدان.