14 سبتمبر 2025

تسجيل

هل نخاف على لغتنا العربية؟

25 ديسمبر 2016

قبل أيام مضت عقدت بصلاله بسلطنة عُمان ندوة بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية حملت عنوان (اللغة العربية والتحديات)، تحدث فيها عدد من الباحثين في مسألة التحديات التي تواجه العربية في عصرنا الراهن، ومن أبنائها للأسف، حيث أصبحت بعض جامعاتنا في الكثير من الدول العربية، تدرس باللغات الأجنبية، وبعض الجامعات، تدرس حتى العلوم الإنسانية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وهذا هو الخطر الكبير على اللغة التي تمثل الهوية العربية، ولغة القرآن الكريم، ولاشك أن الحوار والنقاش حول تحديات اللغة العربية، ضروري للتنبيه على تغييب وإقصاء العربية في بعض مراحل التعليم، وهذا شكل خطرًا على الجودة في بعض العلوم، وعلى التنمية والتقدم، ودول كثيرة، غيبت لغتها وقدمت اللغات الأجنبية في التعليم، فتراجع مستواها، وليس العكس، وذكر أحد الباحثين في هذه الندوة أن الجمهورية الفرنسية، تجّرم بالقانون، تعليم المواطن الفرنسي باللغة غير الفرنسية، وعمره أقل 12 عاما، وهذا يعني أن هذه السن هي سن تشكيل الوعي لدى الطفل، كما أنه ليس صحيحا أن اللغة العربية غير قادرة على استيعاب العلوم الحديثة، وهذا ما قاله بعض المستشرقين الذين مهدوا للحملة الاستعمارية، وأرادوا تغييب اللغة بهدف محو الهوية لإدامة استعمارهم وطمس ثقافة الشعوب، فاللغة العربية تفوق في قدرتها الكثير من اللغات الأخرى، من حيث سعة مفرداتها اللغوية، وقدرتها على التعاطي من كل العلوم الحديثة، وهذا ما ظهر مع العلوم المختلفة التي ازدهرت مع الحضارة العربية الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي، وبعض العصور التالية، وقد كان اشتغالهم وعلوهم ومؤلفاتهم من خلال اللغة العربية، وليس باللغات الأجنبية، صحيح أنهم استفادوا من الترجمة في مجال العلوم المختلفة، لكنهم ترجموها للعربية، وأضافوا وأبدعوا فيها، والحضارة الغربية أيضًا، استفادت من الحضارة العربية الإسلامية، وهذا باعترافهم بفضلها على حضاراتهم منذ القرن السابع عشر، وما بعدها، فلذلك فإن الانبهار باللغة الأجنبية، والاعتقاد أن تفضيلها يجلب التقدم والنهضة، هذا ليس صحيحًا أبدًا، تراجعنا ليس بسبب اللغة، لكن الأصح أننا نحن أصابنا التخلف، لأسباب سياسية وفكرية، وظروف تاريخية، ونتحملها نحن بالذات، حتى لا نلقي بأخطائنا على المؤامرات الخارجية، صحيح أن الصراع بين الأمم والحضارات، حاصل لا محالة، وهذا ما يسميه القرآن الكريم (بالتدافع)، وتلك سنة إنسانية، لكن لماذا نحن نتراجع وهم يتقدمون؟ الخلل إذن فينا، وهذا يحتاج إلى مراجعة من أهل الاختصاص، فالذي أريد أقوله أن اللغة العربية، ليست ضعيفة أمام التحدي الحضاري، لكن الضعف في الأمة نفسها وليس في لغتها، وأصاب لغتنا مما نحن فيه، ولذلك اعتقد البعض أنها هي السبب!! واللغة العبرية لليهود، كانت ميتة ـ كما قيل ـ مثل الكثير من لغات الشعوب، لكنهم بعد وعد بلفور، واحتلال فلسطين بعد حرب 1948، أحيوا هذه اللغة الميتة، وصارت لغة العلم والصناعات والعلوم الإنسانية المختلفة، مع أن علماء اليهود في العصر العباسي وما بعده من العصور العربية الإسلامية، كانوا يكتبون ويؤلفون كتبهم باللغة العربية، ويذكر المفكر العربي د. عزمي بشارة في إحدى الندوات في بلد عربي، أنني "زرت كل مناطق عاصمة الكيان الإسرائيلي (تل أبيب)، ولم أجد مدرسة خاصة تدرس اللغة الإنجليزية، أو أي لغة أجنبية، كل المدارس باللغة العبرية، فالعبرية لغة اندثرت منذ قرون، تم إحياؤها من جديد، مع أنها كانت لغة ميتة، وكان اليهود في العصور الوسطى وما بعدها، وفي فترة الحضارة الإسلامية، كانوا يكتبون باللغة العربية، لا باللغة العبرية".