12 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن الإخوان المسلمين يوما على هامش المشهد الاجتماعي والسياسي في العالم العربي، خاصة في مصر وبعض الدول العربية مثل الأردن وسوريا والسودان، لأن الجماعة كانت ولا تزال محورا أساسيا وجزءا من المشهد بكل تفاصيله، بل تمكنت جماعة الإخوان المسلمين من لعب دور الدولة في بعض الأحيان، خاصة في العمل الاجتماعي ومساعدة الفقراء وتقديم يد العون للمعوزين، وإقامة مؤسسات صحية وتعليمية ورياضية. ومكن هذا الاكتساح في العمل الاجتماعي إلى هيمنة الإخوان المسلمين على الرأي العام رغم التضييق ومنعهم من الظهور على وسائل الإعلام، فقد كانوا منظمين ونشطين ومتفانين في العمل والعطاء بلا حدود، واستطاعت حقائب المساعدات الإخوانية أن تجتاح مصر من أقصاها إلى أقصاها، وهي الحقائب الغذائية والإغاثية التي يحتاجها عدد ضخم من الأسر في مجتمع يرزح 80% منه تحت خط الفقر نصفهم على الأقل تحت خطر الفقر المطلق ولا يكادون يجدون ما يأكلون.وإلى جانب المساعدات المالية والغذائية والمعيشية نشط الإخوان في إقامة مؤسسات تعليمية وتربوية، أفضل من المؤسسات الحكومية والمتهاوية، مما مكنهم من صناعة نخبة خاصة بهم من بين آلاف الطلاب الذين يدرسون في مدارسهم، مما وسع من هيمنتهم الاجتماعية وجعلهم القوة الوحيدة التي تحظى بوجود في كل مكان تقريبا.ولقد تم ترجمة هذه الشعبية الكبيرة والكاسحة عندما أجريت أول انتخابات حرة نزيهة في مصر، وفاز بها الدكتور محمد مرسي، كأول رئيس مدني منتخب شعبيا في تاريخ مصر، رغم تكتل كل القوى الأخرى، اليسارية والقومية والليبرالية والعسكر، ضد الإخوان، لكن الجماعة "بطحتهم" جميعا في المنازلة الانتخابية الرئاسية، وفازت في 5 انتخابات أخرى بشكل كاسح، الأمر الذي جعلها هدفا لكل المؤامرات الداخلية والخارجية.وكما اعترف المرشح الرئاسي الفريق أحمد شفيق، الذي خسر في مواجهة الدكتور محمد مرسي، فإن مسؤولين أمريكيين وعربا وعناصر من المخابرات المصرية نسقوا معا من أجل الإطاحة بأول رئيس من جماعة الإخوان المسلمين يصل إلى السلطة عن طريق الانتخاب المباشر وبإرادة شعبية، وكشف شفيق عن اجتماعات جرت في إحدى الدول الخليجية التي أعلنت الحرب على الإخوان المسلمين، للإطاحة باستحقاقات ثورة يناير، والانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، وهو ما حدث فعلا، وقد كشف الدكتور البرادعي، نائب الرئيس بعد الانقلاب، أن ممثل الأمم المتحدة إلى ليبيا بيرناردينو ليوم قد اشترك في المؤامرة، وكشفت صحف أمريكية وبريطانية وألمانية وفرنسية وإسبانية أن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل كان على تواصل مباشر مع السيسي من أجل تنفيذ انقلاب ضد حكم الرئيس "الإخواني" المنتخب الدكتور محمد مرسي.باختصار لقد تعرض الإخوان المسلمين إلى حرب محلية – إقليمية – دولية، بعد فوزهم في الانتخابات الرئاسية، رغم تقديم الرئيس مرسي لكثير من التنازلات، وهي حرب تفوق في بشاعتها الحرب التي شنها جمال عبد الناصر أو حافظ الأسد، لأن حربي عبد الناصر والأسد تندرج في إطار الحروب المحلية، أما الحرب التي تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين حاليا فهي حرب شاملة للقضاء عليها مرة واحدة وإلى الأبد، حرب تصرف فيها المليارات، ويزج السيسي فيها بأكثر من 40 ألفا بالسجون ويحكم على المئات بالإعدام، ولذلك فهي تختلف عما سبقها من الحروب، وهذا ما يجعل من محنة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين مضاعفة مقارنة مع الماضي.