15 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب على الإرهاب .. وباكستان التي نفد صبرها

25 ديسمبر 2010

أعلن رئيس الحكومة الباكستاني يوسف رضا جيلاني يوم الخميس الماضي أن بلاده لن ترضخ للضغوط الخارجية لشنّ عمليات عسكرية في شمال وزيرستان، مشدداً على أن هذا القرار يعود إلى إسلام أباد وحدها، كما أعلن رفض مثول مسئولي مخابرات باكستانيين أمام محكمة أمريكية بعد رفع عائلة ضحيتين أمريكيتين قتلا في هجمات مومباي دعوى تطال الاستخبارات الباكستانية.  قبلها بأيام وتحت عنوان "هل بدأ صبر باكستان من الحرب على الإرهاب ينفد؟"، تناولت مجلة "تايم" الأميركية قصة مغادرة مسئول وكالة الاستخبارات الأمريكية لباكستان على خلفية القضية التي رفعها أحد رجال القبائل الباكستانية والتي يتهم فيها الوكالة بقتل شقيقه وابنه إثر إحدى الغارات الأميركية، موضحة أن هذه القضية إحدى الإشارات الواردة من إسلام آباد التي تؤكد أن صبرها بدأ ينفد بشأن الحرب على الإرهاب. ذلك أن القضاء الباكستاني ما كان له أن يمضي في هذه القضية التي أدت لإجبار المسئول الاستخباراتي الأمريكي على مغادرة مكان عمله في منتصف الليل، دون موافقة الاستخبارات الباكستانية التي تهيمن على القضاء عبر البت في تعيين القضاة. وهو الأمر الذي أكده مسئولون في الأمن القومي الأمريكي مشيرين إلى أن هناك شكوكا قوية لدى واشنطن في أن اسم مسئول المخابرات المركزية الأمريكية قد تسرب عمدا إلى وسائل الإعلام الباكستانية أو لمحامين، من خلال عناصر في المخابرات الداخلية الباكستانية.  ما ذكرته المجلة الأمريكية ليس بجديد، كما أن مواقف رئيس الحكومة أيضا ليس بجديد، فمنذ سنوات وباكستان ترسل الإشارة تلو الأخرى على نفاد صبرها إزاء قضية الحرب على الإرهاب، وذلك نتيجة للخسائر التي تكبدتها سواء في اقتصادها أو أمنها القومي دون أدنى شكر أو عرفان من الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين الذين يعلنون باستمرار أن المطلوب من إسلام آباد أكبر مما تقوم به. إن جردة حساب بسيطة عن الأعوام التسعة الماضية منذ أن دشنت واشنطن حربها على الإرهاب، تظهر أن إسلام آباد هي الخاسر الأكبر. فالاقتصاد الباكستاني تكبد أكثر من 43 مليار دولار على مدار هذه الأعوام وفقاً لأرقام البنك الدولي وكذلك وفقاً لما أعلنه وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي مؤخراً. في مقابل ذلك لم تحصل إسلام آباد من واشنطن سوى على حوالي 15 مليار دولار فقط مغلفة بالمن والأذى، وهو ما دفع الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري إلى طلب مساعدات اقتصادية أكبر من الولايات المتحدة وحلفاءها شبيهة بخطة مارشال التي نفذتها واشنطن عقب الحرب العالمية الثانية لإنقاذ اقتصادات حلفاءها الأوروبيين المنهارة. الخسائر التي تكبدتها باكستان لم تنحصر فقط في تلك الخسائر الاقتصادية، بل اشتملت على المجال الأمني، حيث عانت البلاد وما زالت من القلاقل وعدم الاستقرار جراء الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الأمريكية داخل الأراضي الباكستانية، وكذلك جراء المواجهات المسلحة التي قادها الجيش الباكستاني تحت الضغوط الأمريكية والغربية ضد مسلحي حركة طالبان وتنظيم القاعدة، والتي أدت إلى انتشار العنف والإرهاب على نطاق واسع داخل المدن الباكستانية وكان من نتيجتها سقوط آلاف القتلى والجرحى. ويكفي أن نعرف أن عدد القتلى خلال العام الجاري فقط وصل إلى أكثر من 1600 قتيل فضلا عن آلاف الجرحى الآخرين، الذين سقطوا خلال العمليات الانتحارية التي تنفذها تلك التنظيمات المتطرفة، والتي وصلت لأكثر من 41 عملية، وكذلك نتيجة القذائف التي أطلقتها الطائرات الأمريكية والتي أدت لمقتل 860 شخصا في 107 غارة.  ولم تتوقف الخسائر الأمنية عند هذا الحد، فهناك الخسائر المتعلقة بالأمن القومي الخارجي للدولة الباكستانية وتحديداً ما يخص علاقة الصراع بينها وبين الهند، حيث أثرت الحرب على الإرهاب بشكل سلبي على هذا الصراع. إذ أن قيام الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان وإسقاط حكم طالبان المتحالف مع إسلام آباد، أدى إلى تراجع النفوذ الباكستاني في ذلك البلد الذي يعد المجال الحيوي الأهم لأمنها القومي، في مقابل تزايد نفوذ الهند التي استغلت علاقتها التحالفية القوية بواشنطن لتوسيع نفوذها على حساب باكستان. ولعل هذا أحد أهم الأسباب القوية التي دفعت إسلام آباد إلى دعوة واشنطن إلى ضرورة مراجعة القواعد الحاكمة للحرب على الإرهاب، حيث أكد أحمد شوجا باشا، مدير عام هيئة الاستخبارات الداخلية الباكستانية، أمام لجنة الأمن القومي بمجلس الشيوخ الأمريكي في 8 يوليو 2010 " أن السياسة الأمريكية لمكافحة الإرهاب محل بحث وأن التغييرات اللازمة ستطرأ عليها في الوقت المناسب بما يتوافق والمصلحة الوطنية " منبهاً إلى الدور الذي يقوم به أعداء باكستان لاستغلال هذا الوضع في زعزعة استقرار البلاد. وهو نفس المعنى الذي ذهب إليه رئيس الحكومة جيلاني حينما أكد أن " ثمة يدا أجنبية وراء الاضطرابات في إقليم بلوشستان على الحدود مع إيران وأفغانستان". رغم هذه الخسائر الضخمة التي تتحملها باكستان جراء هذه الحرب، إلا أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يطالبونه ببذل مجهود أكبر. فقد دعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي باكستان إلى إظهار مزيد من الحزم في الحرب على الإرهاب.   ساركوزي الذي أطلق هذه التصريحات خلال زيارته للهند خلال شهر ديسمبر الجاري، للمشاركة في تكريم قتلى هجمات مومباي، لم يبد أية مشاعر تجاه قتلى الباكستانيين خلال تلك الحرب التي يطالب قادة باكستان بإظهار عزماً أقوى على مكافحة الإرهاب.  وقد جاءه الرد سريعا من السفير الباكستاني السابق لدى أفغانستان رستم شاه موهماند الذي قال إن "الحكومة الأفغانية وقوة الإيساف فشلتا في كبح التمرد المتزايد في أفغانستان، ولذلك يحاولون إلقاء اللوم على باكستان". وهو نفس المعنى الذي ردده رئيس الوزراء الصيني وين جياباو خلال زيارته الأخيرة إلى العاصمة الباكستانية منذ أيام حينما أشار إلى أن "المجتمع الدولي يتوجب عليه تثمين التضحيات التي تقوم بها باكستان في الحرب على الإرهاب". إذن باكستان ينفد صبرها بشأن الحرب على الإرهاب.. لكن نفاد صبرها هذا ليس وليد اللحظة فهو بدأ منذ بدأت إسلام آباد تحصد الخسائر والخيبات مرة بعد الأخرى، بعد أن تخلت واشنطن وحلفاءها عن وعودهم البراقة بتعويض تلك الخسائر. وزاد مع قرب تنفيذ الولايات المتحدة لخططها بالانسحاب من أفغانستان دون أن تضمن تلك الخطط أية مساعدة لباكستان على استعادة نفوذها القوي في هذا البلد المهم لأمنها .. فكان لا بد أن ترسل إشاراتها لتعلن تبرمها وسخطها الذي سيتلوه بكل تأكيد خطواتها العملية لحماية أمنها ولو على حساب مصالح واشنطن وحربها على الإرهاب.