11 سبتمبر 2025
تسجيللم تعد المحروسة – مصر- بحاجة إلى المزيد من العنف والتظاهرات التي تبث الموت في الشوارع والطرقات، بل ومن أسطح المنازل مثلما حدث غير مرة. ليس ثمة ما يبرر هذه العشوائية في القتل المتبادل بين فئات تنتمي إلى وطن واحد ودين واحد وموروث حضاري واحد، صحيح قد يتمسك كل طرف من المتصارعين بموقفه على الصعيد النظري، لكن أن يصل الأمر إلى سفك الدماء من أجل الدفاع عن هذا الموقف أو البقاء في خندق السلطة أو محاولة الضغط من أجل استعادة نظام أجبر- من فرط عدم رشده - على الرحيل أو التمسك برئيس مهما كانت قوته ودرجة "زعامته". ومن يتابع أحوال المحروسة منذ الثلاثين من يونيو الماضي يرصد تناميا في ظاهرة العنف المتبادل بين جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها التي تم إقصاؤها عن السلطة في ثورة شعبية جددت وصححت مسار ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 وبين الدولة المصرية متمثلة في الجيش وقوات الأمن وفي بعض الأحيان يدخل الأهالي كطرف مدافعين عن مصالحهم وأماكن ارتزاقهم وإقامتهم. ومن يدفع كلفة ذلك بالضرورة هو الشعب المصري والاقتصاد والسياحة والاستقرار الذي غاب فوقعت البلاد في فوضى أمنية وعشوائية مفرطة في كل مناحي الحياة. والمرء حتى يكون منصفا يرى أن السلطة الانتقالية الراهنة مارست بعض الأخطاء والتي بدأت باستخدام القوة في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، مما أدى إلى مقتل المئات وليس الآلاف وفق إحصاءات الطب الشرعي التي أفادت قبل أسبوع بأن أعداد كل من قتلوا في هذه الفترة لا تتجاوز الـ 720 شخصا إلى جانب حوالي 30 جثة غير واضحة المعالم بينما جماعة الإخوان وأنصارها والمدافعون عنها لا يفتأون بالتصريح بأن أعداد القتلى تجاوزا الخمسة آلاف شخص وهي مبالغة لا تتسق مع منطق الأمور ولكن هذه السلطة في النهاية تدافع عن هيبة دولة سعت - ومازالت جماعة الإخوان – إلى الانتقاص منها وهو ما يتجلى في الحرب الشعواء ضد الجيش وقوات الأمن واللتين تتعامل معهما بحسبانهما أعداء وليسا مجرد خصوم فتصدر الفتاوى من دوائر فقهية منتمية إليها تجيز محاربتهما وقتالهما ضمن حدود الجهاد بينما الجهاد وفق الفهم الصحيح له موجه إلى من يحتل الأرض ويغتصب الحقوق من الغزاة وقوى الاستكبار القادمين من خارج الحدود وفي الحالة المصرية الأمر لا يخرج عن كونه حالة صراع بين فئتين تفتقران إلى القواسم المشتركة وإحداهما تراوغ وتتمسك بطروحات تقود إلى استمرار الاحتقان والتوتر الداخلي الذي يهدر طاقة الوطن ويجهض توجهها نحو بناء الدولة الحديثة التي مازال المصريون يحلمون بها. إن وقف القتل والعنف في المحروسة بات فرض عين وليس فرض كفاية يتعين أن تشارك فيه كل القوى الحاكمة والمعارضة، فثمة وطن يتمزق وشعب يفقد هويته الوطنية وإمكانات معطلة ومقومات مهدرة وشمس غير قادرة على الشروق بفعل العتمة الشديدة التي تفرض سطوتها في الآفاق ولكن السؤال كيف؟ هنا تكمن المعضلة، فجماعة الإخوان على الرغم مما بدا في الآونة الأخيرة أنها تطالب بحل سياسي لإنهاء الأزمة الراهنة والدخول في حوار وطني وهو تطور قوبل بإيجابية لم توضح آليات هذا التوجه وعندما قرأت شروحا لبعض قيادييها وجدت أن التفسير يدفع الأمور باتجاه المزيد من التعقيد، فهو ما زال يقوم على معادلة عودة الشرعية ودستور 2012 وهي أمور تجاوزها الواقع الراهن وفي يقيني أن هؤلاء القادة خاصة الدكتور محمد بشر والدكتور عمرو دراج والدكتور ياسر علي بوسعهم أن يطرحوا مقاربة أكثر واقعية تنهض على استبعاد رقم الدكتور محمد مرسي من المعادلة فهو بات في خانة الماضي الذي لا يمكن أن يعود لأسباب عديدة وهو ما يعني تهاوي الشرعية التي كان يمثلها على نحو أو آخر بعد إعادة قراءة ما جرى في الثلاثين من يونيو والإقرار به ثورة شعبية الأمر الذي لا يجعل حزب الحرية والعدالة والذي يمثل الذراع السياسية للجماعة التي أضحت محظورة قانونيا خارجا عن سياق المشهد السياسي الذي تحرك بالفعل إلى الأمام وأي تعارض مع هذا التحرك يعني موت الحزب إكلينيكيا وبالتالي الجماعة ودفعها دفعا إلى دائرة السرية. وأظن أن الجماعة مطالبة في ضوء هذه القراءة والمراجعة بأن تتخلى عن حالة عدم القبول بالآخر ورفض الغير وهو ما شكل سببا حقيقيا من أسباب فشل تجربتها في حكم المحروسة والذي ظل حلما يراودها على مدى ثمانين عاما بيد أنها سرعان ما فرطت فيه فور أن قبضت عليه وذلك يعني بوضوح أن تسرع إلى إعادة هيكلة حزب الحرية والعدالة على أسس ومقومات وطنية وليس دينية دون أن يمنع ذلك من الاحتفاظ بالمرجعية الإسلامية كمرجعية فكرية وليس سياسية وتبادر بالتواصل مع مفردات ومعطيات خارطة الطريق والتي توشك أن تبدأ في الواقع بحيث يظل الحزب ضمن المنظومة السياسية التي ستحكم البلاد في قادم الأيام ولكن وفق صيغة وطنية ديمقراطية لا تقوم على الإقصاء أو الاحتكار أو الهيمنة أو السطو على مقدرات أمة أو أشواق شعب. ولاشك أن ذلك يستوجب تهيئة مناخ آمن لتحرك الحزب سياسيا من خلال وقف ما أسميته في أحد مقالاتي سابقا بشيطنة كل المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها أو لجماعات التيار الإسلامي، فذلك لا ينسجم مع محددات المسار الديمقراطي، فضلا عن أنه سيدفعهم إلى اللجوء إلى العمل عبر الخلايا والتنظيمات السرية وفي تقديري أن برامج الفضائيات سواء الحكومية أو الخاصة مطالبة بقوة بأن توقف هذا الفيض من الأحاديث المكررة عن جماعة الإخوان وسلوكياتها خلال العام الذي حكمت فيه المحروسة ولاشك أن طرح ملفات وموضوعات تناقش بجدية ومهنية كيفية استعادة المحروسة لعافيتها الاقتصادية والسياسية والأمنية أهم بكثير من مناقشة ماضي الإخوان إلا إذا تعلق الأمر بجريمة عنف أو خطأ سياسي أو مواقف مناهضة للاستقرار في المحروسة. إن المحروسة أمانة في رقبة الجميع، فهل ينتبهون إلى خطورة مسؤولية تحملها أو التخلي عنها، هنا الموت أفضل. السطر الأخير: راحلا في مدارك ساكنا في غياهب جبك فلا تبعثي بالسيارة كي يشتروني أود البقاء بمقامك أن تسدلي على أستارك تفيضي بروحي من أنهارك فأبقى مقيما بديارك