19 سبتمبر 2025
تسجيلاستهل مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية موسمه لهذا العام بمؤتمره السنوي الثامن عشر للطاقة، الطاقة تلك المفردة التي تحمل الكثير من المعاني وتحدد مستقبل العالم ويدور حولها الجدل باستمرار وتتضمن دائما ما هو جديد، إذ لم يجاف أحد قادة التغيرات العاصفة التي شهدها العالم بداية القرن الماضي عندما سأل عن ماذا يعني نظامه الجديد؟ فأجاب بأن ذلك يعني السلطة السياسية زائد تعميم مصادر الطاقة. لذلك فقد تضمن مؤتمر المركز لهذا العام العديد من الأطروحات الجديدة، خصوصا وأن التطورات في صناعة الطاقة تم ربطها في مؤتمر هذا العام بالتكنولوجيا، على اعتبار أن التقنيات تؤثر في صناعة ومستقبل الطاقة من جانبين رئيسيين، الأول مساهمتها في إيجاد بديل لمصادر الطاقة الأحفورية، وهو ما قد يحدث انقلابا هائلا في الاقتصاد العالمي. أما الجانب الآخر، فإنه يختص بدور التكنولوجيا في زيادة الاحتياطيات من مصادر الطاقة التقليدية من خلال الوصول إلى أعماق سحيقة وزيادة استخراج النفط والغاز والفحم بكميات أكبر، وهذه مسألة مصيرية للبلدان المنتجة. وفي هذا العام وضمن الأمور المستجدة، هناك العديد من القضايا التي تخص البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط والغاز على حد سواء والتي تشكل حولها شبه إجماع، تلك القضايا التي تكتسي أهمية بالغة لنا في دول مجلس التعاون الخليجي ولمستقبلنا الاقتصادي، خصوصا وأنه تم في الآونة الأخيرة تداول تقارير متضاربة حول صناعة النفط الخليجية. ولنبدأ بالخليج، على اعتبار أن هناك استنتاجات مفرحة، إذ اتفق معظم الخبراء، بمن فيهم الغربيون والخليجيون على أن سعر برميل النفط لن ينخفض إلى ما دون 80 دولارا للبرميل وأن عهد النفط الرخيص قد ولى دون رجعة، وذلك لعدة أسباب، أولها يكمن في قيام بعض البلدان في السنوات الأخيرة بتطوير إنتاجها النفطي من المياه العميقة، حيث تبلغ التكلفة هناك 75 دولارا للبرميل، إذ إن انخفاض السعر إلى ما دون ذلك يعني توقف الإنتاج في هذه الحقول والتي أصبحت تزود السوق العالمية بكميات مهمة من النفط، وأن توقفها يعني وجود نقص في الإمدادات ومن ثم ارتفاع الأسعار من جديد، مما يعني أن أمام البلدان المصدرة للنفط ثلاثة عقود إضافية من عائدات النفط الهائلة والتي يمكن استغلالها لتنويع مصادر الدخل والتحضير لفترة ما بعد النفط. وثاني هده الاستنتاجات يتعلق بإنتاج النفط الواعد في الولايات المتحدة، حيث أشارت تقارير سابقة إلى أنها ستكتفي ذاتيا بحلول عام 2020 إلا أن هذه التقارير مبالغ فيها بشهادة الخبراء الأمريكيين أنفسهم والذين حضروا جلسات المؤتمر. والحقيقة أن الولايات المتحدة سوف تحقق تقدما كبيرا في إنتاج النفط والغاز في السنوات السبع القادمة، وبالأخص في مجال إنتاج الغاز الصخري والذي أدى إنتاجه بكميات كبيرة في السنوات الماضية إلى تدني أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، ما سيؤدي إلى إحداث نقلة نوعية ستمكن الولايات المتحدة من تقليل اعتمادها على النفط المستورد، فبعد أن استوردت 13 مليون برميل يوميا قبل خمس سنوات مقابل إنتاج 7 ملايين على اعتبار أن استهلاكها اليومي بلغ 20 مليون برميل في عام 2005. أما في عام 2020 فإن إنتاجها سوف يصل إلى 11 مليون برميل يوميا وسوف تقوم باستيراد 7 ملايين برميل، أي أن الصورة سوف تكون معكوسة في عام 2020 مقارنة بعام 2005 إلا أنها لن تكتفي ذاتيا ولن تتحول إلى دولة مصدرة. وبالإضافة إلى البلدان الرئيسية المنتجة للنفط في الوقت الحاضر، كدول مجلس التعاون الخليجي وبلدان منظمة الأوبك وروسيا، فإن النادي النفطي ينتظر انضمام بلدان أخرى واعدة، كالبرازيل وأستراليا وبعض البلدان الإفريقية، أما على مستوى الاستهلاك، فإن خارطة النفط العالمية ستتغير باتجاه آسيا التي يزداد اعتمادها على النفط المستورد، وبالأخص من منطقة الخليج العربي. هذا باختصار، أما أوراق العمل التي قدمها باحثون من مختلف بلدان العالم وتعدد الآراء من خلال مداولات الجلسات، فقد تضمنت العديد من المسائل المهمة الخاصة بالربط ما بين التكنولوجيا ومستقبل الطاقة وانعكاساتها المحتملة على اقتصادات بلدان العالم، وهي مسائل تستحق أن يتم النظر إليها بعيون فاحصة.