10 سبتمبر 2025

تسجيل

استهداف الجزيرة

25 نوفمبر 2003

أمس الأول، تطوع رئيس وزراء بريطانيا توني بلير بكتابة مقال في صحيفة أسترالية اتهم فيه قناة "الجزيرة" بأنها تسيء إلى أمريكا وجهودها لتحرير الشعب العراقي، وقال مادحا إنجازات ما بعد صدام إنه "أصبح بإمكان العراقي أن يسمع ويشاهد إساءة "الجزيرة" وغيرها من القنوات الفضائية العربية لأمريكا التي حررته". وأمس أعلن في العراق عن إيقاف قناة "العربية" الفضائية عن العمل في الأراضي العراقية بعد أن بثت شريطا منسوبا إلى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين. عندما أشرقت شمس "الجزيرة" على العالم والعربي منه بشكل خاص اتخذت لنفسها أن تكون مرآة للحقيقة أياً كان شكلها. فهي الرأي الذي كشف عورات كان محظورا التحدث عنها والرأي الآخر لهموم المواطن العربي في كل مكان. وهي بذلك أحدثت هزة عنيفة في محيط الإعلام العربي. وقد قالت عنها صحيفة "تاتس" الألمانية:"إنها ريح منعشة في الإعلام العربي هبت من ركن لم يتوقعه أحد. وأن ما تقدمه من رأي ورأي معارض يعتبر ثورة في منطقة تستخدم فيها وسائل الإعلام كأبواق". وخلال مسيرتها القصيرة، تمت محاربة قناة "الجزيرة" من الكثير من الأنظمة العربية بألف حجة وحجة. وكانت دائما تخرج منتصرة للحقيقة وللملايين من مشاهديها. ما حدث للفضائية العربية في العراق يوم أمس من قبل قيادة التحالف ومجلس الحكم الانتقالي حدث ويحدث يوميا لقناة "الجزيرة" التي تم اعتقال مراسليها عدة مرات واقتحام مكاتبها وتهديد صحفييها وتوجيه الإنذارات بـ "حسن السيرة والسلوك .. وإلاّ.." ليس شيئاً جديداً في مهنية القناة التي آلت على نفسها كشف الحقائق سواء ما تحت الطاولة أو في الخطوط الأمامية في الحروب. فقناة "الجزيرة" أصبحت مستهدفة ومحاربة لأنها أصبحت مرآة عاكسة لأحداث العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص، ولها الصدارة والجرأة في طرح الرأي والاستماع وإفساح المجال للرأي الآخر الذي أظهر مدى انحراف سياسة الحرية وحقوق الإنسان ذات المكيالين والتي تحاول أمريكا فرضها على العالم العربي .. ومازالت محاربةً اقتصادياً من خلال الضغط على شركات الإعلان لمنع هذا المورد عن "الجزيرة"، التي يكفيها رصيدها المعنوي لدى الملايين من مشاهديها، ذخيرة للاستمرار والنجاح. فأمريكا التي أصبحت تتضايق من الحقيقة عندما تتعلق بقضاياها وبضحاياها في العراق أو في غيره، وخائفة من ردود الفعل ضدها، لاسيما في الداخل، يبدو أنها لا تستسيغ رؤية الأمور والواقع الناجم عن سلوكها، تظهر جلية أمام الشعوب، وبدلا من تصحيح صورتها عبر تصحيح سلوكها، تعمَد بين حين وآخر، إلى الانتقام من الصورة كما لو أنها تعبر عن واقع آخر غير الواقع الذي أوجدته هي بنفسها .. فمرة تهدد بإغلاق مكاتب هذه القناة الفضائية، ومرة يضايقون الصحافيين التابعين إلى تلك، بينما يتحدث قادتهم من دون أي تردد، عن خطر وتهديد تمثله قناة "الجزيرة"، وما تهمتها إلا أنها تنقل الحدث والحقيقة المجردة بدون رتوش أو إضافات أو تعتيم. نعم، هناك فرق كبير بين قلم وآخر، وكاميرا وأخرى، فمحطة "الجزيرة" ما تعودت إزاحة الكاميرا عن أرض الواقع، بعيدا عن الحدث. ولا من طبعها وثقافتها ومبادئها أن تنحاز في تقاريرها إلى غير الحق والمنطق والحقيقة. أي أنها من النوع الذي يستعصي ترويضه أو إسكاته أو دفعه إلى خيانة حق الناس في المعرفة، وشرف المهنة. وليس مستغربا أو مفاجئا أن تتعمد القيادة الأمريكية في العراق أو مجلس الحكم الانتقالي، مضايقة مندوبي "الجزيرة" التي بات رصيدها من المصداقية يقض مضاجع كل العاملين على صرف الأنظار عن حقيقة ما يجري في العراق .. وليس مستبعدا، أن يكون إغلاق مكاتب قناة "العربية" مجرد تمهيد فعلي لخطوة أكبر ضد "الجزيرة" ومندوبيها في الساحة العراقية. ولكن، أي خطوة من هذا النوع، ستكون شهادة أمريكية واعترافا غير مباشر بأن قناة "الجزيرة" قد نجحت بامتياز في حشر أعداء الحقيقة، إلى حد الخروج عن طورهم والنزاهة التي يتباهون بها عن الرأي وحريته. وما الكلام عن قرار أمريكي باستحداث فضائية خاصة باللغة العربية، تنطق باسم قوات التحالف، إلاّ دليل قاطع على مدى الحرج الذي أصاب الولايات المتحدة من "الجزيرة" التي لا سلاح لها في مواجهة كل ذلك، إلاّ سلاح الحقيقة. وانطلاقا من سياسة الرأي والرأي الآخر نرحب بالقناة الجديدة لتنضم لإذاعة "سوا" ومجلة "Hi " ونتمنى لها النجاح في مشاهدة الحقيقة والواقع العراقي بكلتا العينين وأن تكون انعكاسا صادقا لأحداث العراق الجديد!! ختاما .. كل عام وأنتم و"الجزيرة" بألف خير.