11 سبتمبر 2025
تسجيلذكرت في مقالي السابق أن العملاء لا يتعظون ولا يتعلمون. واليوم أقول إن المجرمين أيضا لا يتعلمون ولا يتعظون. وفي الحالتين هؤلاء وهؤلاء ينطبق عليهم قول الحق سبحانه وتعالى «ويمدهم في طغيانهم يعمهون». لذلك فهم يكررون الأخطاء والجرائم ويزيدون عليها حينا بعد حين. فهؤلاء الذين يقتلون الأبرياء في فلسطين وفي غزة تحديدا بلا عدٍ ولا حساب، يكررون جرائمهم رغم عقاب الله لهم على مر العصور. والآن يطبقون حرفيا كل ما يقولون إنهم تعرضوا له على يد النازيين، وكذلك يفعلون كل ما قيل إنهم استحقوا لأجله العقاب، بل ويزيدون. فمثلا، النازي كان يصفهم بالفئران، وهم يصفون الآن شعبنا الفلسطيني في غزة بالحيوانات. ولا عجب في ذلك، فهم يرون العرب جميعا هكذا وأسوأ، إذ يقولون إن «العربي الوحيد الطيب هو العربي الميت». وإذا كان النازي قد كذب ووضع قواعد للكذب فهم طبقوا كل تلك القواعد وزادوا عليها نظريات يسمونها «نظريات إعلامية»، تقوم كلها على الكذب وتكرار الكذب وتغيير الكذبة من وقت لآخر. وهكذا، وصولا إلى محاكاة النازي في تنفيذ إبادة جماعية لشعب أعزل أبشع كثيرا مما يقولون إنهم تعرضوا لها. ولتوضيح تاريخهم في ذلك، ننظر في كتاب بالغ الأهمية للمفكر المصري «القبطي» الراحل رمسيس عوض، بعنوان «شكسبير واليهود»، يشرح فيه، شرحا مفصلا ومثيرا، كيف أنهم من خلال عمليات كذب وتزييف منظمة وتحريف متواصل للنص على فترات طويلة من الزمن تمكنوا من تغيير الصورة النمطية لليهودي الجشع «شايلوك» في رواية تاجر البندقية لشكسبير إلى شخصية طيبة مقبولة في المجتمع الغربي. هذه الفكرة، أي الكذب والتحريف، تناولتها دراسات أخرى كثيرة، أحدثها كتاب البروفيسور الإسرائيلي شلومو ساند «اختراع الشعب اليهودي» الذي ينتقد بناء الرواية الصهيونية واليهودية عامة للتاريخ، ودراسة مهمة بعنوان «أدب ما قبل الصهيونية» تشرح كيف غيروا أسس دينهم وفق المصلحة. وقد رأينا نحن في حياتنا ومن خلال متابعتنا اليومية على مدى العقود الماضية كيف غيروا صورة اليهودي المكروه في كل مكان، وخصوصا في الغرب، إلى المُفضل والمثالي، من خلال سيطرتهم الاحتكارية على وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، ومعها هوليود بالطبع. ومن خلال هذا الاحتكار الإعلامي أقنعوا جُل الشعوب الغربية بأن لهم قضية وحقا في فلسطين وبأنهم يدافعون عن أنفسهم وليسوا معتدين. ومن الزيادة التي فعلوها هنا «الاحتكار». فمنذ يوم «السبت الفاصل» والإعلام الغربي، الذي يحتكرونه، لا يبدأ أي مداخلة مع أي طرف إلا هكذا: «دعنا نبدأ بسؤالك، هل تدين ما حدث يوم السبت 7 أكتوبر؟». وبغض النظر عن الإجابات التي تراوحت بين محاباة المعتدين والامتناع عن التعليق ورفض الإدانة، فإن السؤال في حد ذاته الذي كان كاستفتاح صلوات دينية يشير إلى أن «التوجيه بتلفون السامسونغ» ليس فقط حالة خاصة ببعض الدول المصنفة غير ديمقراطية في محيطنا الشرق أوسطي بل هو أمر ينتظم دولا كثيرة، ومنذ أمد بعيد، في ظل احتكارهم كل شيء تقريبا في العالم تحت عباءة ما يسمى العولمة. غير أن «توجيه السامسونغ» وصل أخيرا إلى أعلى المستويات بما في ذلك رؤساء دول ووزراء خارجية. في الإطار ذاته، حتى الآن يشار إلى ما يحدث في غزة في وسائل الإعلام الغربية خاصة وكثير غيرها في أحسن التوصيفات بأنها «حرب حماس وإسرائيل» والصحيح هو أنها عملية إبادة جماعية تنفذها اسرائيل ضد ملايين الفلسطينيين على الهواء مباشرة، في عملية احتكار للحقيقة تجعل من وسائل الإعلام تلك مجرد وسائل إعدام. هذا يجعل ما نحن بصدده معركة وعي بنفس درجة المعركة على الأرض، لأن أغلبية من شاركوا في مداخلات إعلامية حتى ورغم وقوف بعضهم في الصف الفلسطيني وقعوا ضحية ذاك السؤال الاحتكاري، الذي يطرحه عملاء الكيان، ونسوا أن القصة ليست قصة ما حدث يوم 7 أكتوبر، ولكنها قصة 75 عاما من الاغتصاب والاحتلال والإجرام والقتل والتشريد والتهجير، ثم الكذب والتزوير، وكل ما يتصل بهذه الحالة الإجرامية من مفردات، لن تتمكن آلة الكذب الاحتكارية و»إعلام السامسونغ» من محوها مهما حاولوا. لكنهم لا يفهمون لأنهم لا يتعلمون.