12 سبتمبر 2025
تسجيلأدركت دولة قطر في العقد الماضي أهمية القضاء المتخصص وبأن القضاء العادل الناجز من أهم العوامل التي تسهم في تحفيز الاستثمار، وجذب رؤوس الأموال، وتوفير المناخ الملائم للتنمية الاقتصادية، والذي يعمل على دفع عجلة النشاط الاقتصادي وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني. ولقد قام المشرع القطري بإنشاء محكمة قطر الدولية والتي تُعرف أيضا بمسمى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال بموجب أحكام القانون رقم 7 لسنة 2005 بإصدار قانون مركز قطر للمال وتعديلاته، حيث تضمن القانون الأحكام الخاصة التي أرست القواعد الأولى لنظام قضائي متخصص في الدولة، بحيث يضمن سرعة الفصل في المنازعات والمسائل التي تقع في مركز قطر للمال، وبواسطة نخبة من القضاة المتخصصين الذين يتفهمون دقة المسائل الاستثمارية والتجارية والاقتصادية وما يصاحبها من تعقيدات وإشكالات في ظل التقدم التكنولوجي وتحديات العولمة. وقد هدف المشرع أيضا من إنشاء المحكمة إلى غرس الثقة في نفوس المستثمرين في مركز قطر للمال، وطمأنتهم مسبقاً بحماية استثماراتهم وفقا للقانون من خلال محكمة مختصة ذات بيئة قضائية دولية، تعمل على تحقيق العدالة الناجزة، وهو الأمر الذي ساهم في إيجاد بيئة استثمارية آمنة في مركز قطر للمال. ولقد مضى على إنشاء محكمة قطر الدولية ضمن النظام القضائي القطري أكثر من عشر سنوات، حيث باشرت المحكمة أعمالها بتاريخ 25 مايو 2009، وأثبت نظام التقاضي فيها خلال تلك الفترة نجاعته وفاعليته في التعامل مع المنازعات والمسائل التي تقع في مركز قطر للمال على نحو ناجز وبما يحقق وصول الحقوق لأصحابها. وإدراكا لأهمية الدور الذي تقوم به محكمة قطر الدولية في دعم ثقة المستثمر، قام المشرع القطري في عام 2017 بمد الاختصاص القضائي للمحكمة ليشمل نظر المسائل المتعلقة بالتحكيم، إلى جانب دائرة منازعات التحكيم المدني والتجاري بمحكمة الاستئناف وبحسب الأحوال. ولقد كان ذلك دليلا على الرغبة القوية لدى المشرع القطري في أن تقوم المحكمة بدورٍ رئيسي في منازعات التحكيم التجاري الدولي لدعم منظومة التحكيم في الدولة. واستشعرت الدولة أهمية محكمة قطر الدولية في دعم بيئة الاستثمار في المناطق الحرة في الدولة، ومن هذا المنطلق، أصدرت الدولة مؤخرا القانون رقم 15 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون المناطق الحرة وذلك لإدراج كافة المنازعات والمسائل التي تقع في المناطق الحرة بالدولة ضمن اختصاصات محكمة قطر الدولية، حيث تتشابه طبيعة المنازعات التي قد تقع في المناطق الحرة مع طبيعة المنازعات التي قد تقع في مركز قطر للمال والتي تختص محكمة قطر الدولية بنظرها. كما أن المنازعات التي قد تنشأ في المناطق الحرة تتسم بالطبيعة الفنية العالية والتي تحتاج إلى قضاء متخصص ومؤهل يدرك جيدا دقة المسائل التي تسفر عنها تلك النوعية من المنازعات. وبإعطاء الاختصاص لمحكمة قطر الدولية، نستشعر برغبة المشرع القطري في دعم البيئة الاستثمارية في المناطق الحرة لاستقطاب المزيد من الشركات الدولية للتأسيس فيها ومباشرة أعمالها منها. وقد نصت المادة 44 من القانون رقم 15 لسنة 2021 بتعديل بعض أحكام قانون المناطق الحرة على أنه تختص المحكمة المدنية والتجارية، المنشأة بمركز قطر للمال بموجب قانون مركز قطر للمال، بالفصل في جميع المنازعات والدعاوى المدنية والتجارية فيما بين الشركات المسجلة في المناطق الحرة، وبين الهيئة والأفراد والشركات المسجلة في المناطق الحرة، أو بين الشركات المسجلة في المناطق الحرة من جهة وبين الأفراد المقيمين في الدولة أو الشركات أو الكيانات المنشأة خارج المناطق الحرة من جهة أخرى، أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية موضوع النزاع، وذلك ما لم يتفق الأطراف على تسوية النزاع بالطرق البديلة. وبناء على ذلك، تختص محكمة قطر الدولية، دون غيرها، بنظر جميع المنازعات والدعاوى أيا كان نوعها، والتي يكون أحد أطرافها شركة مسجلة في المناطق الحرة، باستثناء الدعاوى الجنائية والتي تختص المحاكم الجنائية بالدولة بنظرها وفقا للقانون. وفي الختام، فإن امتداد الولاية القضائية لمحكمة قطر الدولية لتشمل المنازعات التي تقع في المناطق الحرة، سوف يعمل على زرع الثقة في نفوس المستثمرين الأجانب وتشجيعهم على الـتأسيس في المناطق الحرة في الدولة، بالإضافة إلى الاستفادة من حزم المزايا الأخرى التي توفّرها الدولة للشركات الأجنبية الراغبة بالعمل في دولة قطر.