11 سبتمبر 2025
تسجيلقامت العديد من الدول في السنوات الأخيرة بسن التشريعات التي تُعنى بمكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لغايات الحفاظ على سلامة واستقرار النظام المالي فيها، والحد من الأضرار التي قد تطال مؤسساتها المالية وتقوّض استقرار قطاعها المصرفي واقتصادها الوطني. كذلك فقد عملت العديد من الدول على تحديث تشريعاتها ذات الصلة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب لضمان مواكبة أفضل المعايير والممارسات الدولية فيما يتعلق بتعزيز تدابير مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأي مستجدات في هذا الشأن، وذلك على ضوء المبادئ الارشادية الدولية والتوصيات المتعلقة بتعزيز أنظمة الرقابة الداخلية وإدارة المخاطر لدى البنوك والمؤسسات المالية. وتعد دولة قطر من أوائل الدول التي أولت موضوع غسل الأموال ومكافحة الإرهاب اهتماما خاصا، حيث قامت الدولة بوضع التشريعات الكفيلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب منذ عام 2002. وقد كانت دولة قطر من أوائل الدول التي ساهمت في تأسيس المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب The Global Counterterrorism Forum (GCTF)، والذي يّعدّ منصة دولية تضم في عضويتها العديد من دول العالم بهدف تعزيز التعاون المشترك فيما بينها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتبادل الخبرات والتجارب في هذا المجال. وقد ترأست دولة قطر المنتدى في عام 2016، ودشنت خلال فترة رئاستها مبادرة نوعية لتعزيز مجابهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيث دعت إلى إنشاء منتدى خبراء مكافحة تمويل الإرهاب والذي يهدف إلى تسليط الضوء وإبراز دور جهات إنفاذ القانون وأجهزة الأمن ووحدات المعلومات المالية. وفي ديسمبر 2018، وقعت دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب United Nation Office of Counter-Terrorism (UNOCT) اتفاقاً لإنشاء مكتب تابع للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في الدوحة، وساهمت بمبلغ 75 مليون دولار أمريكي لدعم استراتيجيته العامة. وفي أعقاب ذلك، عقدت دولة قطر ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في شهر مارس 2019 الحوار الاستراتيجي الأول في مقر الأمم المتحدة. وبتاريخ 25 سبتمبر 2019 أصدر المشرع القطري القانون رقم (20) لسنة 2019 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيث جاء هذا القانون ليحل محل قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 2010. كذلك فقد صدر قرار مجلس الوزراء رقم (41) لسنة 2019 بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر بالقانون رقم (20) لسنة 2019. وقد أكّد القانون الجديد على أهمية تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال بمصرف قطر المركزي وعلى اختصاصاتها حيث أوكلت لها العديد من الصلاحيات والمهام ذات العلاقة بغسل الأموال. ويقصد بغسل الأموال: العملية التي يتم من خلالها إخفاء مصدر الأموال غير المشروعة أو التي تستخدم لأغراض غير مشروعة وجعلها تبدو أموالا مشروعة تقبل التّداول بمختلف الأنشطة العامّة وذلك لقطع الصلة بين الأموال ومصدرها غير المشروع، كما يُعرفُ كذلك بأنّهُ عملية حجب مصدر المتحصلات الاجرامية لتمكين المجرمين وشركائهم من استخدام هذه المتحصلات دون لفت انتباه جهات انفاذ القانون أو المؤسسات المالية. وقد عملت الجهات الرقابية في الدولة ممثلة بمصرف قطر المركزي وهيئة قطر للأواق المالية وهيئة تنظيم مركز قطر للمال على تعزيز وتطوير تشريعاتها المتعلقة بمكافحة ظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال إلزام الجهات الخاضعة لرقابتها بتعزيز سياساتها، وأنظمتها ووسائل الرقابة لديها المتعلقة بغسل الأموال، للتحقق من هويات المتعاملين معها، ومعرفة مصادر أموالهم، و رصد العمليات المصرفية والمالية المشبوهة والتبليغ عنها. وقد أشاد تقرير التقييم المتبادل لدولة قطر، الذي نشرته مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF)، بجهود دولة قطر في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلح، حيت أشار التقرير إلى مدى التزام وفعالية نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتمويل انتشار التسلح مع المعايير الدولية. كما أكّد التقرير أن نظام المكافحة بدولة قطر يتمتع بإطار قانوني وتنظيمي قوي مما يجعل دولة قطر من أوائل الدول على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التزاما بجميع التوصيات الأربعين التي أصدرتها مجموعة العمل المالي. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم تبني تقرير التقييم المتبادل لدولة قطر من مجموعة العمل المالي في شهر فبراير 2023، ومن مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شهر مايو 2023. ومما لا شك فيه ان التصدي لظاهرة غسل الأموال وتمويل الإرهاب هو التزام وطني ومسؤولية مشتركة ويتطلب مكافحتها تضافر جميع الجهود الوطنية، وتحقيق الوعي المجتمعي بخطورة هذه الظاهرة التي تضر بالاقتصاد الوطني وتفتح الباب للمنظمات الاجرامية لارتكاب جرائمها.