15 سبتمبر 2025
تسجيلصدر هذا الأسبوع في فرنسا كتاب غريب تخاطفه القراء و شغل الإعلام هو كتاب الرسائل الغرامية (12000 رسالة) كتبها رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق فرنسوا ميتران الى زوجته الثانية السيدة (أن بنجو) و أم ابنته (مازارين) وهي الجميلة المثقفة التي شغف بها ميتران حبا و تصغره بثلاثين عاما أي سنها نفس سن الإبن الأكبر للرئيس (جون كريستوف) . تعرف عليها حين كان مجرد عضو في البرلمان و في السنوات الأولى من الستينيات كان عمر البنت الصغيرة 18 سنة و بلغت العشرين سنة 1964 حين بدأت حكاية غرام عميقة و صادقة بين السياسي الكهل والشابة المغرمة بالفنون. و كان ميتران متزوجا من (دانيال) رفيقة دربه السياسي و له منها ولدان و لم يفكر قط في الانفصال عنها فهو كأغلب الرجال (و السياسيين منهم خاصة) يتسع قلبه لامرأتين و يحتاج لعلاقة حميمة و خارجة عن منطق الناس العاديين. و بعد عشر سنوات من الحياة الغرامية المشحونة بالعواطف (كما جاء في رسائله لها) طلبت منه (هدية) و حين عرف أن الهدية المطلوبة هي أن تنجب منه وافق و ولدت البنية (مازارين) في يوليو 1974 فكانت الأسمنت الذي شد أسس البناء العاطفي و ظلت هذه القصة مجهولة وظلت الزوجة الثانية و ابنتها تعيشان في الظل و يوميا يتردد عليها الرئيس في شقتها شارع جاكوب إلى غاية وفاته يوم 8 يناير 1996 حين أحس بقرب أجله فأمسك بيدها و يد ابنته مازارين و طلب منها أن تستدعي طبيبه الخاص الدكتور (جون بيار تارو) و جاء الطبيب و قال لها إن الرئيس بالإضافة الى سرطان المثانة يعاني من ورم خبيث في المخ. و انتهت حياة الرجل العاشق الذي أخفى عن الجميع حياته المزدوجة و كانت زوجته دانيال على علم بالزوجة الثانية و احترمت رغبة زوجها و لم تطلب الطلاق و قبلت كامرأة فاضلة و كزوجة صالحة أن تتقاسم (فرانسوا) مع ضرتها و في الجنازة الوطنية المهيبة كانت الزوجتان حاضرتين في الصف الأول مع إبنيه من دانيال و ابنته من (أن). أما رئيس الجمهورية الفرنسية الحالي (فرنسوا هولوند) فهو يستعد للزواج للمرة الثالثة بفتاة حسناء تعمل صحفية اسمها (جولي غاييه) زواجا عرفيا مثل زواجه الأول بالسيدة (سيغولان روايال) و له منها أربعة أولاد وهي اليوم وزيرة البيئة في حكومته و بعدها تعرف على صحفية متزوجة هي السيدة (فاليري أرويلار) فتزوجها عرفيا أي بدون عقد موثق و جعل منها لمدة ثلاثة أعوام السيدة الأولى و أقامت معه في قصر الإيليزيه ثم حين قرر الإنفصال عنها أبعدها عن القصر و عن حياته فنشرت كتابا لقي رواجا واسعا بعنوان (شكرا على هذه الأوقات الممتعة) و كشفت فيه حياتها حتى الحميمية مع الرئيس و حاولت المس من كرامته و الطعن في مبادئه لكن المجتمع الفرنسي يختلف عن المجتمع الأمريكي المتشبث بالطهرانية و بالوفاء لزوجة واحدة و المصر على احترام قيم الأسرة لدى السياسيين لأنه مجتمع أنجليكاني متدين بينما فرنسا علمانية و لا يتدخل المجتمع في الحياة الشخصية للسياسيين إلى درجة أن أحد رؤساء الجمهورية الفرنسية (فيليكس فور) وافته المنية وهو بين أحضان عشيقة و لم يعكر ذلك صفو ذكراه العطرة ! و مر كتاب المطلقة السيدة (أرويلار) مر الكرام و لم يؤثر في مؤسسة الرئاسة و لا حتى في سمعة الرئيس. مع العلم أن الزيجات الثلاث للرئيس (هولند) هي اقرب إلى العقد الإسلامي الذي يسر الارتباط و يسر الطلاق و حمى الحياة الشخصية من حشر القانون أنفه في توجيه عواطف الناس و التحكم في مصائر العائلة. هذا في فرنسا التي تتخذها بعض نخبنا التونسية مثلا أعلى و في كل مرة يعتلون منبرا فيها يتباهون بما يسمونه (حقوق المرأة) و لا يدركون أن الفرنسيين الذين يستمعون إليهم مرتبطون بنسبة 53% بدون عقود رسمية و أن وزارة الصحة الفرنسية أعلنت أن 52% من المواليد الفرنسيين يولدون خارج مؤسسة الزواج الرسمي الموثق سنويا. أما الرؤساء في البلاد العربية و بخاصة في تونس التي يعتبرها البعض النموذج الأقصى الذي استورد أغلب قوانين الأحوال الشخصية من فرنسا فقصص الرئيس بورقيبة مع المرأة مثلا تتميز بالطرافة لأن الزعيم عندما تولى الرئاسة دشن عهده بسن مجلة الأحوال الشخصية لحماية المرأة التونسية من الطلاق التعسفي لكنه بعد مدة قصيرة طلق أم ابنه السيدة مفيدة بورقيبة بشكل "انفرادي" و اقرأوا شعور المرارة في مذكرات ابنه الذي لم ينس هذا الصنيع الصادر عن رجل علماني يؤمن بحقوق المرأة. و أحتفظ لنفسي بما قالته لي شخصيا السيدة مفيدة في بيتها في تونس حين كان صديقها المخلص و صديقي الكبير المناضل و الوزير الأسبق عزوز الرباعي يأخذني معه حين يزورها في السبعينيات. فالتاريخ يكتب بعد فوات سنوات العواطف المتأججة و المواقف المنافقة كما أني أحتفظ أيضا بما سمعته شخصيا من السيدة وسيلة بن عمار في باريس في التسعينيات وهي التي تزوجها الرئيس بعد أن كانت "رفيقة دربه" منذ الأربعينيات و كانت السيدة الأولى لمدة ثلث قرن ثم طلقها هي أيضا دون حضورها و دون علمها على يد أحد المحامين وهو ما يتناقض تماما مع حقوق المرأة التي جعلها الزعيم بورقيبة عنوانا لما كان يعتقده تحرير المرأة التونسية و أذن أن تحمل الرخامة التي تعلو قبره عبارة (محرر المرأة) إلى جانب عبارة (محرر تونس) بينما مع احترامي للزعيم و عهده فهو لم يلزم نفسه بما فرضه على الشعب التونسي من بنود القانون المذكور. و النتيجة اليوم في المجتمع التونسي ليست كما توقعها الزعيم لأن المحاكم التونسية عجزت عن متابعة مئات الآلاف من قضايا الطلاق و النفقة المعروضة على محاكمنا بسبب استحالة تطبيق فصولها القديمة في مجتمع تغيرت ملامحه و تفاقمت مشاكله و تعقدت أزماته على مدى ستين عاما تفصلنا عن تاريخ 13 أغسطس 1956 يوم توقيع تلك المجلة من قبل آخر ملوك تونس سيدي محمد الأمين باشا باي رحمة الله عليه و الذي خلعه بورقيبة عن العرش في ظروف مهينة في يوليو 1957 بعد أن كان يرأس حكومته و شهد عدد من أفراد العائلة الحسينية المالكة أن حرم الملك الأمين باي دعيت إلى مقر الداخلية و أهينت و طالبتها الشرطة بأن تدلهم على مكان ما تبقى ربما من المصوغات ثم توفيت المسكينة متأثرة بذلك "التحقيق" معها بعد أسبوع بنزيف حاد. وهي المرأة التونسية المفترض حمايتها بقانون بورقيبة كما أنها الملكة الوطنية التي ساعدت بورقيبة و حمته و أبلغت رسائله إلى زوجها الملك الصالح باعتراف بورقيبة نفسه في بعض خطبه وهو ما قاله لي بورقيبة نفسه في سنة 1982 حين استقبلني صحبة الوزير الأول محمد مزالي ليعطيني رسالته إلى الملك (سنة 1952) و التي أرسلها له عبر زوجته التي كان يسميها بورقيبة "بنت عمي" لأنها أصيلة طرابلس ليبيا مثله هو. و نالت الملكة رحمها الله جزاء سنمار حين تغيرت الظروف و لم تتمتع بأية ذرة لا من "حقوق المرأة" و لا من "محرر المرأة" !!!