19 سبتمبر 2025
تسجيلهل يمكن لأي منا أن يبدأ يومه بدون الشراب المدهش الذي يسمى القهوة؟ ففنجان من القهوة بأي مذاق أو طعم كان، أصبح أحد طقوسنا اليومية المعتادة التي لايمكن لمزاجنا أن يعتدل أو يستمر يومنا بدونها. فالقهوة هذه الحبوب الثمينة التي اكتشفت بمحض الصدفة لتتحول الى أحد أهم ثلاثة مشروبات في عالمنا المعاصر وهي الماء والشاي والقهوة، والتي تجاوزت كونها مجرد مشروب منشّط لذيذ الطعم يُعد بطرق متنوعة ومختلفة بحيث أصبحت لدى شعوب كثيرة من أصول الحفاوة وكرم الضيافة وحسن الوفادة. وتعد شعوب الخليج والجزيرة العربية الحضر منهم والبدو من أكثرالشعوب التي تعطي القهوة معاني رمزية كبيرة، فالقهوة عنوان الكرم والضيافة وحسن النوايا، وبهذا يتحول المشروب الى منظومة معقدة من الطقوس والعادات والتقاليد والمسميات، فعادات القهوة التي ما يزال أهل الخليج متمسكين بها ليومنا هذا مثل تقديم القهوة للضيوف باليد اليمنى وهز الفنجان عند الانتهاء من شربها واشتراط أن يصب القهوة للضيوف رجل وليس صبيا صغيرا أو خادما وكذلك أن يصبها وهو واقف، وأن يبدأ بتقديمها أولاً من الجالس على اليمين أو من الشخص الأكبر سناً، حيث تدل كل هذه الطقوس على أهمية القهوة من الناحية الاجتماعية. كما تبدو لدى البدو بالذات المعاني الرمزية للقهوة بأقوى صورها حيث لكل فنجان مدلول أخلاقي وقيمي معين. فالفنجان الأول الذي يصبه المضيف يجب أن يشربه أولاً قبل ضيوفه ليدل به على جودة القهوة وخلوها من ما يضر وانها ليست بقهوة (صايدة) أي ملوثة، ويسمى هذا الفنجان فنجان (الهيف)، ومن ثم يدور المضيف بفناجين القهوة على الضيوف حيث يسمى هذا الفنجان بفنجان (الضيف) الذي على الضيف أن يشربه، حيث يعد امتناعه عن شربه أمراً خطيراً يعني انه يضمر العداء أو يريد أن يطلب شيئاً كبيراً أو يسعى لطلب الثأر. ولشدة عشق البدو للقهوة يشربون أكثر من فنجان وتسمى الفناجين التي تشرب للاستمتاع بالقهوة (بفنجان الكيف)، الا أن خطورة الأمر يبدو في أحد الفناجين التي يطلق عليها البدو بفنجان (السيف) وشرب هذا الفنجان يعني أن الضيف يقف مع المضيف في السراء والضراء ولو وصل الأمر الى القتل والأخذ بالثأر. ويبدو ان العرب عندما أطلقوا عليها اسم القهوة كانوا قد انتبهوا الى سحر هذا المشروب فالقهوة تطلق على الخمر كذلك لشدة تأثيرها وقوتها ويقال أيضاً القهوة تقهي أي تذهب بشهوة الطعام. وتتحدث الأسطورة القديمة عن كيفية اكتشاف القهوة، حيث يقال ان راعياً في اليمن وفي رواية أخرى في بلاد الحبشة اندهش من فرط نشاط أغنامه الذين أكلوا بالصدفة أوراقاً ومضغوا بذور شجرة قهوة ليربط الراعي بين ما تناولته الأغنام وبين النبتة السحرية فقام بمضغ الأوراق والحبوب كما فعلت أغنامه، فشعر بعدها بنشاط كبير. ويقال ان أول من نشرها خارج حدود اليمن هو أبوبكر العيدروس الذي كان متصوفاً يتجول في أرض الله الواسعة ويحمل معه حبات من البن يأكل منها كلما دب اليه الوسن والنعاس ليتمكن من مواصلة السهر للتعبد والصلاة، ثم دل أتباعه ومريديه على هذه الحبوب السحرية لتنتشر عادة أكلها في الحجاز واليمن ومصر وأفريقيا من ثم الى جميع أرجاء العالم واعتبرت أول الأمر نبتة طبية تؤخذ لأغراض علاجية، ثم أقبل الناس على شربها والاستمتاع بها. وفي وصف القهوة يقول الشاعر النبطي محمد السديري يا بجاد شب النار وادن الدلالـي وأحمس لنا يا بجاد ما يقعد الراس ودقه بنجر يا ظريـف العيالـي يجذب لنا ربع على اكوار جلاس وزله الى منه رقـد كـل سالـي وخله يفوح وقنن الهيـل بقيـاس وصبه ومده يـا كريـم السبـال يبعد همومي يوم اشمه بالانفـاس فنجال يغدي ما تصـور ببالـي روابع تضرب به أخماس وأسداس.