17 سبتمبر 2025

تسجيل

طه حسين مازال يتعرض للتعذيب!!!!

25 أكتوبر 2012

على امتداد سنوات حياته، تذوق عميد الأدب العربي طه حسين مرارة الحرمان، وواجهته مآزق حياتية وفكرية صعبة، لكنه استطاع بإرادته الإنسانية الجبارة أن يتغلب عليها، وكأن المتنبي العبقري كان يقصده هو وحده حين قال:   وإذا كانت النفوس كبارا   تعبت في مرادها الأجسام وبعد حياة خصبة مديدة، غاب عنا طه حسين منذ تسع وثلاثين سنة، وبالتحديد يوم 28 أكتوبر سنة 1973وقد أحسسنا- جميعا- بالخسارة الفادحة يومها، لأن هذا الراحل العظيم لم يكن عملاقا أدبيا وفكريا فحسب، وإنما كان واحدا من القلائل الذين استطاعوا أن يسهموا في تشكيل الحياة بمواقفه العملية الثورية، وعلى سبيل المثال فإنه طبق ما كان يدعو إليه من أن التعليم ضروري كالماء والهواء، ولهذا كان طبيعيا أن أكون واحدا ممن ساروا في موكب جنازته التي انطلقت من جامعة القاهرة حتى جامع صلاح الدين، مرورا بكوبري الجامعة، وكان طبيعيا أن أشعر وقتها بمرارة الفقد، باعتباري واحدا من الذين استفادوا من مجانية التعليم التي كان قد دعا- نظريا- إليها، ثم طبقها- عمليا -على أرض الواقع. في أجواء كل ذكرى جديدة تمر على غيابه، أعود إلى قراءة بعض ما كتبه عميد الأدب العربي، ربما لكي أعزي نفسي وأهرب بعيدا عن أجواء الإفلاس الفكري الذي يتصدر الآن الساحة الثقافية والفكرية بملامحه الكئيبة والشوهاء، وفي بعض الأحيان أتخيل أني أتحاور مع هذا الراحل العظيم، لكي أسأله أو يسألني عما يجري الآن، وهكذا وجدت نفسي أعود إلى قراءة كتابه الرائع – المعذبون في الأرض- وهو الكتاب الذي كان قد صدر سنة 1949 خلال حكم الملك فاروق الأول والأخير للمملكة المصرية، وقيل وقتها إن طه حسين رجل شيوعي! وبمجرد أن أعدت القراءة تخيلت أو توهمت أن طه حسين يسألني: أما زال "المعذبون في الأرض" يتعذبون أم أنهم الآن بالحياة ينعمون ويسعدون؟. إني أتذكر أني قلت في إهدائي للكتاب ".. إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل، وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل، إلى أولئك وهؤلاء جميعا، أسوق هذا الحديث.. وإلى الذين يجدون ما لا ينفقون، وإلى الذين لا يجدون ما ينفقون يساق هذا الحديث."..  وهنا وجدت نفسي مندفعا لأن أقول: سيدي العميد.. أنت أطلقت شعار التعليم كالماء والهواء ثم طبقته بالفعل عندما كنت وزيرا للمعارف في آخر وزارة "وفدية" قبل ثورة يوليو 1952 وحين انطلقت الثورة قامت بإكمال مشوارك خلال زعامة جمال عبد الناصر، لكن التعليم من بعده، ومن بعد من جاء بعده وإلى يومنا هذا.. أصبح حكرا على الذين يجدون مالا ينفقون، أما الذين لا يجدون ما ينفقون فإن منهم من نسوا مجرد كلمة التعليم، فمنهم أحياء لكنهم يسكنون وسط المقابر، ومنهم من تدور عليهم الدوائر، ومنهم من يلهثون لكي يستطيعوا أن يسدوا رمق أطفالهم الجائعين، وهذا يعني بمنتهى البساطة أن المعذبين في الأرض ما زالوا يتعذبون، وأنك شخصيا- يا سيدي- وبرغم غيابك عن عالمنا، ما زلت تتعرض للتعذيب!