12 سبتمبر 2025

تسجيل

خيبة فردية وخذلان جماعي!

25 سبتمبر 2023

أصعب ما نواجهه عند شعورنا بالخيبة من شخص ما في موقف ما، هو عدم استطاعتنا حصر ذلك الشعور بذلك الشخص وحده. غالباً ما تتسرب المرارة التي سنشعر بها، لكل من نعرف ونحب معاً. حتى وإن أدعينا أننا لا نفعل أو لا نريد أن نفعل. مفاجأة الاكتشاف المرير غالباً ما تكون أقوى من محاولة فصل المشاعر عن بعضها البعض، وفرزها وتوزيعها على من حولنا من معارفنا وأحبائنا المشتركين كل وفق أفعاله ومشاعره تجاهنا. فجأة نضعهم جميعاً في سلة واحدة، ونراهم كلهم في فريق واحد يتعاونون على خداعنا وخيانتنا وتعميق شعورنا بالخيبة الفردية ليكون الخذلان جماعيا، وربما هذا ما يفسر لنا رفض أي مساعدة من الأصدقاء المشتركين عند وقوع أي مشكلة لنا مع أحدهم، فهم، من وجهة نظرنا في تلك اللحظة ليسوا سوى متآمرين أو على الأقل منحازين مع الآخر ضدنا!. هل يحدث هذا مع الجميع أو يحدث معي وحدي؟ أظن أنه يحدث مع الجميع لكن قلة قليلة منا هي التي تعترف بذلك. ربما لأن الكثيرين يسهل عليهم الاعتراف بالخيبة الفردية لكن من العسير عليهم أن يعترفوا بالخذلان الجماعي، ولا يودون مواجهة المشكلة بحجم ما يعانونه منها. أعرف ذلك لأنني أنا أيضا كنت أفعل ذلك، كثيرا ما فعلته، ولم أعرف أنني فعلته إلا بعد أن غادرته. أي بعد أن قررت في آخر حادثة خيبة واجهتها أن أواجه معها شعوري بالخذلان الجماعي من كل الذين يسكنون تلك السلة، ويعرفون بعضهم بعضا باعتبارهم أصدقائي. نعم.. نحن أصدقاء بقدر وفائنا المتبادل لبعضنا البعض، فإن خذل أحدنا الآخر علينا أن نتنازل عن تلك الفكرة النبيلة الجميلة التي جمعتنا في سلة واحدة للصداقة. لكن.. لماذا يحدث هذا؟ لماذا لا أستطيع التعامل مع الآخرين كل على حدة عندما يتعلق الأمر بالخيبة والخذلان والخيانات مهما كان حجمها أو قسوتها؟ سؤال يلح عليّ كثيرا، وأفكر فيه على سبيل المقاومة، ومحاولة العودة الفاشلة إلى مرحلة الادعاء بالتجاهل والمضي قدما بسلام في طريق الحياة وفرصها الكثيرة في الصداقة والحب والتعارف. هل لأنني أقدس فكرة الصداقة كثيرا أشعر بذلك؟ هل لأن الخيبة والخذلان ليست مجرد أحاسيس عابرة، بل هي تجارب عاطفية ترسخت في ذاكرتي وتؤثر على ثقتي بالآخرين وعلاقاتي الاجتماعية والحياة كلها؟ هل لأن صداقاتي وعلاقاتي الشخصية مميزة جدا طوال عمري، فإن واجهت أي خيانة أو خذلان من أحد مكوناتها أشعر أنني أقترب من لحظة موت حقيقي لأنني غير قادرة على تجاوز الحدث بسلامة مهما ادعيت ذلك؟ ربما.. وربما أيضا أن التقدم في العمر، الذي أصبحت أشعر بوطأته أكثر من أي وقت آخر هذه الأيام، ساهم أيضا في رغبتي بالمواجهة الذاتية. وجعلني أؤمن بضرورة توكيد إيماني بأننا جميعًا بشر نخطئ ونتعلم من أخطائنا. فليس هناك صداقة أو علاقة مثالية، وقد تحدث الخيبة والخذلان في أحيان كثيرة من دون قصد الأذى. ولذلك فالأهم هو أن نكون صامدين ومتفائلين، وأن نواجه تلك التجارب بشجاعة وحكمة، فالقدرة على التعافي والنمو من خلال تجارب الخيبة الفردية والخذلان الجماعي تجعلنا أقوى وأكثر وعيًا بأنفسنا وبالعلاقات التي نبنيها، وهو ما يستلزم منا الصبر والتفكير العميق والعمل على نمونا الشخصي. وعليه فيمكن لهذه التجارب أن تكون مؤلمة وصعبة، لكنها تمنحنا في النهاية الفرصة للتعلم والتطور. إنها جزء لا يتجزأ من تجربة الحياة، ومن خلال التأمل والعمل الداخلي يمكننا أن نتجاوزها ونعيش حياة أكثر توازنًا وسعادة.. والحياة كلها مجموعة من التجارب.