13 سبتمبر 2025
تسجيليجتمع الناس في الحج قادمين من كل فج عميق، متحملين المشاق والصعاب قاطعين الصحراء القاحلة لا أنيس لهم في وحشتهم سوى إيمانهم العظيم، حاملين أدرانهم طمعاً بعفو الرحمن الرحيم.الحج، المحشر الأصغر الذي يُحشر الناس فيه بكلمة إلهية، فما أشبههم وهم بملابس الإحرام وقد ملأوا البقاع المقدسة بالخارجين من الأجداث بأكفانهم ينتظرون عرض صفائحهم أمام العلي القدير.ورحلة الحج طالما كانت وماتزال معينا لا ينضب للأعمال الفنية من لوحات أبدعتها أنامل الرساميين، وأشعار جادت بها قرائح الشعراء، وقصص تدور حول معاناة العابر للديار المقدسة وشوقه للطواف حول الكعبة وزيارة قبر الرسول الكريم، ومن الفنون الأدبية التي أبدع مؤلفوها في تناول الحج أدب الرحلات، هذا النوع من الأدب الذي برع به العرب كل البراعة.وقد بدأ أدب رحلة الحج منذ ألف عام، حين دون الرحالة ناصر خسرو شاه عام 442 هجرية، وصفاً لرحلة الحج التي قام بها واستهلها بوصفه لمدينة جدة حيث قال: (جدة مدينة كبيرة لها سور حصين، تقع على شاطئ البحر، وبها خمسة آلاف رجل، هي شمال البحر الأحمر، وفيها أسواق جميلة، وقبلة مسجدها الجامع ناحية المشرق). ثم أخذ في وصف مكة المكرمة قائلا: (تقع مكة بين جبال عالية، ولا ترى من بعيد، من أي جانب يقصدها السائر، وأقرب جبل منها هو جبل أبي قبيس، وهو مستدير كالقبة، لو رمي سهم من أسفله لبلغ قمته).أما ابن جبير الأندلسي فقد حج عام 578 هجرية متوجها من غرناطة إلى جدة، وكتب عن رحلته وحجه إلى بيت الله، واصفاً مشاهد كثيرة، فقال: (في مساء يوم الثلاثاء الحادي عشر من ربيع الأول 578هـ، تركنا جدة متوجهين إلى مكة، ودخلنا من باب العمرة، فقضينا نسكنا، وسكنا بدار في جوار الحرم مشرفة على الحرم والكعبة).وبعد أن يفيض في وصفه كسوة الكعبة يصف مقام إبراهيم، حيث قال: (هو حجر مغشى بالفضة، وارتفاعه مقدار ثلاثة أشبار، وسعته مقدار شبرين، وأعلاه أوسع من أسفله، عايناه، وتبركنا بلمسه وتقبيله).وجاء في حديث ابن بطوطة عن رحلته إلى الحج عام 726هـ(في اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة ُتشمر أستار الكعبة، إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صونا لها من الأيدي أن تنتهبها، ويسمون ذلك إحرام الكعبة، وهو يوم مشهود بالحرم الشريف، ولا تفتح الكعبة المقدسة من ذلك اليوم حتى تنتهي الوقفة بعرفة).وزاد ابن بطوطة بالوصف قائلا: (لعرفة ثلاثة أسماء، وهي: عرفة وجمع والمشعر الحرام، وعرفات بسيط من الأرض فسيح تحدق به جبال كثيرة، وفي آخر بسيط عرفات جبل الرحمة، وفيه الموقف وفيما حوله).أما الرحالة الياباني (تاكيشي سوزوكي) والذي أسلم وأطلق على نفسه اسم محمد صالح وتوجه للحج في الثلاثينيات من القرن العشرين، فقد وضع كتاباً وبدأه بمقدمة عن الإسلام ومبادئه، ثم بمقدمة أخرى عن الرحلة إلى بلاد الحرمين والظروف التي دفعته إلى القيام برحلته، وركز على الأمور الجغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية، ووصف الطرق والعمران، والمرافق والظواهر المناخية، ووجه عناية خاصة للأمور الاجتماعية، فتحدث عن البشر، وفئات المجتمع وطبقاته، ووضع الرجال والنساء في المجتمع المكي خاصة والحجازي بشكل عام.