30 أكتوبر 2025
تسجيلإن الله سبحانه وتعالى اختار من الزمن ساعات جعلها مواسم خيرات وأيام عبادات وأوقات قربات، وهي بين أيام السنة نفحات نورانية وعطايا ربانية، فالرشيد السعيد من تعرض لها ونهل من خيرها، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (افعلوا الخير في دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) رواه الطبراني، فقد جعل لنا الأيام بين الناس دول فنعم أجر العاملين الذين تذكروا ايام دهرهم فعلموا أن الليل والنهار يحملان العبد إلى أجله، فما ترى من كل عاقل إلا التزود بطاعة الله تعالى طمعا في رحمته وخشية من عذابه يتزود ليوم لا ينفع فيه مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالأيام مراحل ينزلها الناس خطوة خطوة حتى ينتهى بهم إلى آخر سفرهم، والسعيد من اغتنم خيرها والبعيد من حرم استغلالها وفرط في حق نفسه وربه بتضييعها ولم يقدم لنفسه زادا، أما المسلم الحق فإنه تواق شواق أي كثير الشوق والحنين يحن قلبه للطاعة فينشرح صدره بالقرب من خالقه وتطمئن نفسه بالشوق لجنة عرضها السموات والأرض فيزداد إيمانا مع إيمانه ويجدد العهد مع ربه فيعتصم بحبل الله المتين ويسير على صراطه المستقيم ويتبع نهج النبي الأمين فيكثر من الذكر والاستغفار ويبتعد عن الذنوب والمعاصي والآثام.فإننا في هذه الأيام المباركة وقد يهل علينا هلال شهر ذي الحجة يذكرنا بالأيام العظيمة والفوائد الجسيمة التي يمنحها الله عز وجل لعباده المؤمنين، من هذه المواسم النيرات والنفحات المباركات، إنها العشر الأول من ذي الحجة، فقد اختارها الله على ما سواها ورفع شأنها واجتباها وجعل ثواب العمل فيها غير ثوابه فيما دونها علاوة على ما خصها الله به من أعمال فريضة الحج التي لا تكون في غيرها فمن فضل الله تعالى على عباده أن جعل هذه الأيام مواسما للطاعات، يستكثرون فيها من العمل الصالح ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى ربهم، والسعيد من اغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمر عليه مرورا عابرا، فعشر ذي الحجة أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا وحثنا على العمل الصالح فيها، فإن الخالق سبحانه وتعالى أقسم بها وهذا وحده يكفيها شرفا وفضلا لأن العظيم لا يقسم إلا بعظيم والفجر وليال عشر وهذا يستدعي من العبد أن يجتهد فيها ويكثر من الأعمال الصالحة وأن يحسن استقبالها واغتنامها، فإن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، فالحكيم من علم أن أجل الأعمال وأفضلها هو إحساس المرء بالعبودية لله تعالى وهذا يعني الافتقار المطلق إليه والاعتماد عليه في كل الأمور.والافتقار إلى الله تعالى أن يجرد العبد قلبه من كل الفتن والأهواء، ويقبل على العبادات متذللا مستسلما لربه متعلقا قلبه بمحبة الله تعالى وطاعته، فحياة المؤمن كلها صراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، فإن هو استجاب للشيطان والهوى تردى إلى المهالك والخسران، وإن هو استجاب لداعي الحق والهوى ارتقى إلى أعلى الدرجات وكتب عند الله تعالى من السعداء الفائزين، فعلى المسلم الذي امتلأ قلبه بنور الإيمان أن يغتنم عشر ذي الحجة بكثير من القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه لأن الله يضاعف فيها الأجور، لذا يجب على كل مسلم الحرص على الاستفادة من أيامه ليعيش النفحات الربانية ألا وإن لكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها لعل أحدكم تصيبه نفحه فلا يشقى بعدها أبدا، قال صلى الله عليه وسلم (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله هذه الأيام يعني الأيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله،قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري، فاستفادة المسلم من هذه العشر يتحقق لمن هم رزقوا بالذهاب إلى الحج لما في الخروج لتأدية هذه الفريضة من الاستغراق الكامل في الطاعة والإخلاص منذ الخروج إلى العودة، ويذكرنا ذلك هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شبه الحج بالجهاد في سبيل الله تعالى، ولكن المسلم المرتبط بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي له الاجتهاد في هذه الأيام بالتقرب إلى الله عز وجل بالطاعة لعله يظفر بما ظفر به حجاج بيت الله الحرام من مغفرة للذنوب وعتق للرقاب من النار، فلقد قيض الله للمؤمن قوارب للنجاة من المهالك إن هو استجاب إليها حملته إلى شاطئ الأمان وكانت سببا في نجاته من الضياع والهلاك فمعرفة الله تعالى وطاعته أول طريق السالكين وبداية الخطى على الحق والطريق المستقيم وللفوز بخيري الدنيا والآخرة.