11 سبتمبر 2025

تسجيل

أفول الدولة في العالم العربي

25 سبتمبر 2014

تتهاوى الدولة في العالم العربي بسرعة كبيرة، ولعل الانهيار السريع للدولة ومؤسساتها في اليمن تحت وطأة الضربات السريعة للحوثيين يؤكد أن العالم العربي، في بعض أجزائه حاليا، بدأ مرحلة ما بعد الدولة، فاليمن ليس الكيان العربي الوحيد الذي انهار، فقد سبقه الصومال والعراق وسوريا وليبيا، وباقي الدول العربية على شفير الهاوية، سياسيا واقتصاديا.كل التقسيمات التي بنيت في مرحلة الحرب العالمية الأولى وجرى توطيدها استعماريا بعد الحرب العالمية الثانية في العالم العربي دخلت في مرحلة "نهاية الصلاحية"، وأدت غرضها بإبقاء العرب أمة تحت الاستعمار غير مباشر، بأدوات محلية، لكن هذه الأدوات المحلية أخذت بالسقوط واحدة تلو الأخرى في مغرب العالم العربي ومشرقه، فكان لابد من التدخل من جديد لإعادة إلى الأمور إلى نصابها، ووقف عملية السقوط التي أطاحت برؤساء 4 دول عربية في تونس ومصر وليبيا واليمن، ووقف مسيرة "الربيع العربي"، وحماية ما تبقى من الفسيفساء الاستعمارية.في القرن العشرين وعلى مدى 100 عام كاملة كان الاستعمار يتحكم بكل مفاصل الحياة في العالم العربي، 70 عاما منها على شكل احتلال عسكري مباشر، و30 عاما من السيطرة من خلال أدوات محلية، قامت بدورها الوظيفي بشكل جيد، وأدت ما عليها من واجبات، ونفذت الخطط المرسومة بدقة، إلا أن الشهيد التونسي محمد البوعزيزي كان له رأي آخر في السابع عشر من ديسمبر، عندما أشعل النار بنفسه في سيدي بوزيد الفقيرة، فكان أن أشعل العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج، فسقط زين العابدين بن علي خلال 28 يوما تلاه حسني مبارك خلال 18 يوما ثم معمر القذافي في 10 شهور دامية وأخيرا علي عبدالله صالح، الذي خرج بصفقة ضمنت له البقاء في المشهد ولو من بعيد.الثورة العربية اصطدمت بجدار نظام الأسد الدموي الإرهابي في سوريا، وقدمت الثورة السورية الغالي والنفيس، وقدمت 300 ألف شهيد، لكنها تعرضت لأكبر عملية غدر في التاريخ، من القريب والبعيد، ومن قادة المعارضة و "الأصدقاء" والحلفاء، الذين ثبت أنهم كانوا يتآمرون على الشعب السوري أكثر من الأعداء.وانهار العراق تحت وطأة الحكم الشيعي الطائفي الدموي، الذي وصل إلى سدة الحكم بعد الاحتلال الأمريكي المدعوم عربيا وإيرانيا للعراق، ورغم كل الدعم لهذا النظام الطائفي الإقصائي، إلا أن العراق لم يستطع أن يعود "دولة" كما كان قبل الاحتلال الأمريكي.وتمكن الشعب الليبي من تحرير ليبيا من بطش القذافي وطغيانه وجبروته، إلا أن الاستعمار وأدواته كانت بالمرصاد للثورة الليبية، وتم التآمر عليها وتسليح جماعات مناوئة للشعب الليبي وتكوين جيش للعميل الأمريكي العقيد الهارب خليفة حفتر، وأسهمت الطائرات المصرية والإماراتية بقصف مواقع الثوار الليبيين ومخازن أسلحتهم دعما لأعداء الثورة الذين يقودهم حفتر.في ظل هذا المشهد برز لاعبون جدد لم يحسب حسابهم جيدا، وجميع هؤلاء اللاعبين الجدد من المقاتلين الإسلاميين على مختلف توجهاتهم، سواء كانت توجهات حقيقية أو مزعومة، واستطاعوا السيطرة على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وبرز تنظيم الدولة الإسلامية كأهم لاعب على الأرض، بسبب تمكنه من اجتياح مناطق واسعة في سوريا والعراق وتهاوي المدن أمام مقاتليه الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي أربك المشهد تماما، فلا أحد يعلم ما هي حقيقة هذه التنظيم ولا أهدافه ولا طرق تمويله.لكن المشهد لم يكن ليكتمل دون تداعي الولايات المتحدة الأمريكية لصناعة تحالف من أربعين دولة لمواجهة هذا التنظيم الصنيعة في حرب قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنها قد تستمر جيلا كاملا، يعني هذه الحرب ستتواصل 40 عاما، سيدمر خلالها العالم العربي ودوله، وسينهار الوضع كما انهار في الصومال واليمن وأفغانستان، وسيكون ذلك إعلانا رسميا بنهاية الدولة في العالم العربي، حسب سايكس – بيكو، وبدء مرحلة جديدة لا نعرف ما هي ملامحها حتى الآن.