11 سبتمبر 2025

تسجيل

إعلان باريس السوداني صخرة جلمود في بركة ساكنة!

25 أغسطس 2014

الحكومة السودانية ضاق صدرها بإعلان باريس الموقع بين حزب الأمة القومي السوداني والجبهة الثورية السودانية المكونة من عدة فصائل مسلحة في الثامن من أغسطس الجاري، رغم أن الإعلان جاء تحت مسمى وقف الحرب وتحقيق التحول الديمقراطي في السودان. بالطبع ما من أحد يمكن أن يتوقع أن يقبل النظام الذي نام على عسل السلطة لربع قرن من الزمن دون أن يتعرض إلى تهديد حقيقي خلال هذه الفترة الطويلة إذا استثنينا ثلاث محاولات خطيرة جرت ضد النظام كادت تودي به. ونعني بها محاولة انقلاب 23 رمضان من عام 1990. وعملية (الذراع الطويلة) التي دخلت فيها قوات المرحوم دكتور خليل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إلى قلب العاصمة السودانية في رائعة نهار العاشر من مايو 2009. ثم انتفاضة سبتمبر 2013 التي انفجرت في العديد من المدن السودانية يوم رفعت الحكومة الدعم عن سلعة الوقود الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بنسب كبيرة تفوق قدرة الطبقات الشعبية ذات المداخيل المحدودة. إعلان باريس الموقع بين حزب الأمة والجبهة الثورية مرشح لأن يحدث جلبة سياسية كبيرة. وأن يحرك البركة السياسية السودانية الساكنة إلى درجة الغليان إذا ووجه بردود فعل تعسفية متسرعة وغير مدروسة. فطرف الاتفاق المدني، ونعني به طائفة الأنصار وحزب الأمة، هو طرف سياسي ضخم، ومتماسك، ومجرب في الشارع السوداني وفي الفعل السياسي. وهو الطرف الذي يقول تاريخه البعيد والقريب أنه الطرف الأكثر والأسرع استعدادا للصدام والمواجهة. بينما الطرف العسكري في الاتفاق الذي تمثله الجبهة الثورية هو طرف مجرب عسكريا. وما زال يقاتل بشراسة بعد عشر سنوات من المواجهات الحربية الدامية. ردود فعل الحكومة على الإعلان، وحججها ضده جاءت غير متماسكة، وقابلة للتفنيد السهل، مثل قولها إن الإعلان حمل قضايا البلاد الداخلية إلى الخارج، ونسيت الحكومة بقولها هذا أن السودان على عهدها الذي طال وتطاول صار حديقة على الشيوع الإقليمي والدولي منذ قبل بمخرجات (الإيقاد) و(نيفاشا) المؤلمة التي انتهت بالسودان إلى التقسيم وإعادة إنتاج الحروب من جديد في أقاليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، نائب رئيس الجبهة الثورية، فنّد بعض الملاحظات المتشككة التي سربتها جهات موالية للحكومة تتهم الجبهة الثورية بالغفلة بتوقيعها هذا الاتفاق مع الإمام المهدي، باعتباره لا يلتزم بالاتفاقات والمواثيق إلى يوقعها. وهي تسريبات هدفت إلى التقليل من شأن اتفاق باريس لأن الإمام المهدي سيتخلى عنه عند أول منعطف. قال الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ونائب رئيس الجبهة الثورية، في مداخلته أن في الجبهة الثورية أن في الجبهة شيوخا عاصروا الإمام المهدي منذ ولوجه الساحة السياسية لأول مرة. وعملوا معه في الجبهة الوطنية، وفي التجمع الوطني، والسيد المهدي بالنسبة لهم كتاب مفتوح، وهو وحزبه رقمان لا يمكن تجاوزهما. والتعامل معهما ليس ترفا سياسيا بقدر ما هو عمل عقلاني وبراغماتي. واضح من هذا الرد أن محاولات الحكومة لضرب إعلان باريس سياسيا لم تنجح. وواضح أكثر أن أطراف الاتفاق قد أنضجت مخبوزها قبل تقديمه إلى محفل المنتظرين، لقد تداعت معظم الأحزاب المعارضة والشخصيات السياسية ذات الوزن إلى تأييد إعلان باريس، لعل أبرزها حزبا حركة السلام العادل برئاسة الأستاذ الطيب مصطفى، أحد أشرس معارضي الجبهة الثورية في الساحة السياسية السودانية. وحزب حركة الإصلاح الآن برئاسة الدكتور غازي صلاح الدين المنشق من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إلى جانب الأحزاب المعارضة الكبرى مثل الحزب الشيوعي السوداني وحزب المؤتمر السوداني. وأيدت اتفاق باريس كل الفصائل الاتحادية الرافضة لخط السيد محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي الأصل المتحالف مع حكومة السيد البشير. وبعد، هل ولد حلف باريس ليبقى، الأيام والأسابيع والشهور القليلة القادمة سوف تجيب على هذا السؤال. ولكن الشيء الأكيد الآن هو أن الأمور لن تمضى على سابق عهدها. لقد فرطت الحكومة في ركيزة سياسية مهمة كانت مؤمنة إيمان العجائز بالحوار السلمي لحلحلة أزمات البلد، وكل تفريط له ثمن مستحق.