14 سبتمبر 2025

تسجيل

ليس دفاعا عن الجامعة العربية

25 أغسطس 2014

تتعرض الجامعة العربية في الآونة الأخيرة إلى حملة شرسة تسعى إلى تشويه صورتها وإجهاض حركتها والنيل من شخصيتها الاعتبارية، فضلا عن النيل من شخص أمينها العام الدكتور نبيل العربي, ولو توقف الأمر عند مستوى توجيه الانتقادات لأدائها لكان مقبولا, فذلك أمر مشروع ومطلوب في آن واحد, بيد أن المسألة تجاوزت ذلك, إلى الحملة الممنهجة والتي يقف وراءها -للأسف - نفر ممن أضيروا من صعود العربي إلى موقع أمينها العام على الرغم من مضى أكثر من ثلاث سنوات على اختياره في هذا الموقع .ويبدو أن من يتابع الجامعة العربية عن بعد ولديه معرفة ضئيلة أو منعدمة - في معظم الأحيان - بميثاقها أو بطبيعتها كمنظمة إقليمية معبرة عن حكومات الدول العربية التي ساهمت سبع منها في تأسيسها في العام 1945, لا يمتلك الدراية الكاملة بالحدود والأطر التي تتحرك في سياق أمانتها العامة, والتي ليس بوسعها أن تتبنى من تلقاء نفسها أي توجهات بمنأى عن الدول الأعضاء وهي في المحصلة الأخيرة ناتج جمع إرادات 22 دولة عضو فيها.لقد واجهت الدكتور نبيل العربي خلال لقاء خاص جمعني به مؤخرا بكل ما تردد في الآونة الأخيرة سواء بشأن أداء الجامعة أو أدائه هو كأمين عام وما يتعرض له شخصيا من حملة يدرك هو - كما أدرك أنا - مرامي من يقف خلفها لاعتبارات تتعلق - كما ذكرت آنفا - باختياره في هذا الموقع الرفيع المقام قوميا وأخرى تتصل بموقفه المؤيد لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 . وكان في مقدمة ما طرحته عليه ما رددته دوائر عدة, عن عجز الجامعة العربية عن التعامل بفعالية مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فعلق قائلا لي: ثمة خطأ منهجي, فالمنظمات الدولية ليست دولا, وليست منظمات فوق الدول , وبالتالي عندما تحدث مشكلة فإنها – أي المنظمة – لا تتحرك إلا بالقدر الذي تسمح به الدول الأعضاء فيها, فلماذا يقال - في حال الجامعة العربية – إنها عاجزة عن معالجة موضوع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة, ودعني أكون أكثر صراحة في هذا السياق فأقول: إن الجامعة العربية تعجز بالفعل عن حل مشكلة فلسطين, كما أن الأمم المتحدة عجزت من قبل بل إن العالم أجمع لم يحرك ساكنا من أجل حل هذه المعضلة, لسبب بات بديهيا يتمثل في أن إسرائيل نافذة على الدولة الكبرى في النظام الدولي الراهن وهي الولايات المتحدة الأمريكية, ومن ثم لا ينبغى لطرف أن يقول إن الجامعة عاجزة عن التعامل مع هذا الملف, فهل بوسعها أن تشن حربا على إسرائيل؟ فضلا عن كونها لا تتواصل معها بأي شكل من الأشكال والذي يقوم بذلك هو مجلس الأمن.واتساقا مع هذا المنحى فقد ردد البعض أن الأمين العام للجامعة العربية قام بقضاء إجازة في لندن في ذروة أيام العدوان الإسرائيلي على غزة, فضلا عن إغلاق أبواب الجامعة لعدة أيام في الوقت الذي لم تسارع فيه الجامعة بعقد اجتماع مجلسها الطارئ على مستوى وزراء الخارجية إلا بعد شن العدوان بستة أيام, وهو ما أسهم في الحد من فعالية الجامعة في التعاطي مع هذا الملف.. وعندما سألت الدكتور نبيل العربي عن ذلك أجابني مؤكدا أنه لم يحصل على إجازة منذ العام الماضي, ربما قضى إجازة نهاية الأسبوع مثله مثل الآخرين في بيت يملكه بالساحل الشمالي على البحر الأبيض المتوسط, غير أنه سرعان ما كان يعود إلى عمله, والأهم من ذلك - كما يضيف – فإنه لم يطأ أرض العاصمة البريطانية – لندن - منذ يناير الماضي, والذي قام بزيارتها لبضعة أيام لأسباب صحية تتعلق بإجراء جراحة بعينه لكن الطبيب رأى أن الأمر لا يتطلب مثل هذه العملية.أما فيما يتعلق بعقد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب فيعلق العربي قائلا: لم يتأخر, لقد شنت إسرائيل عدوانها على القطاع في الثامن من يوليو الماضي, بينما عقد الاجتماع في الرابع عشر من الشهر ذاته -أي بعد ستة أيام - وخلال هذه الفترة لم أتوقف عن التواصل مع القيادة الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس – أبو مازن – وكان لديها تصور بالمراهنة على دور الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل لوقف عدوانها, ولكن عندما بدا لها أن هذا التصور ليس في محله طلبت – أي القيادة الفلسطينية – عقد الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية في الحادي عشر من شهر يوليو , وبالطبع فإن الوزراء لا يقفون بحقائبهم في المطارات في انتظار تلبية أي دعوة لاجتماع طارئ أو استثنائي فبعضهم لديه ارتباطات مسبقة, وكان من الصعوبة بمكان تجميعهم في وقت وجيز, وأشير في هذا الصدد إلى أن رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية وزير خارجية المغرب صلاح الدين مزاور وهو مهني من طراز رفيع كان مشغولا في ذلك الوقت بالزيارة الرسمية التي يقوم بها ملك إسبانيا لبلاده آنذاك, فكلف وزير الدولة للشئون الخارجية السيدة مباركة بوعيدة بتمثيل المغرب ورئاسة الاجتماع, ومع ذلك لم يتأخر الاجتماع الطارئ سوى ثلاثة أيام بعد الطلب الفلسطيني. غير أن الأمر الذي لم يفتأ البعض يردده دون تمحيض أو معطيات حقيقية واشتد من دوائر معينة سواء في المنطقة العربية, وأخذ منحى الحملة المنظمة يتصل بأن اختياره لمنصبه كأمين عام للجامعة العربية كان حصيلة صفقة بين قطر والمجلس العسكري الحاكم في مصر في العام 2011 بوضوح تحاول هذه الدوائر أن تسوق لمقولة إن الدوحة هي التي رشحته للمنصب وليست حكومة بلاده, وهو ما لا يضيره على الإطلاق, ولكنه لا يتفق مع الحقائق التي كشف عنها مؤخرا الدكتور عصام شرف أول رئيس وزراء لمصر بعد ثورة يناير- والذي اختار العربي فيها وزيرا لخارجية مصر - في شهادته التي وصفها بأنها للحقيقة والتاريخ إنصافا للرجل الذي لا يحبذ الدخول في معارك ثانوية وهامشية تعوقه عن مهمته الرئيسية في تحريك وتفعيل العمل العربي المشترك ومضمون هذه الشهادة يؤكد أن ترشيح العربي تم بإرادة مصرية خالصة لكنه حظي بإجماع عربي ولم تبد الدوحة اعتراضا عليه بل سحبت مرشحها للمنصب ذاته آنذاك وهو الصديق عبد الرحمن العطية الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية -عندما قدمت القاهرة مرشحا بحجم وقامة وفكر وخبرة الدكتور العربي.ويحيلني الدكتور العربي إلى خلاصة شهادة الدكتور شرف والتي يقول فيها بالحرف الواحد: لقد تم عرض الموضوع على القيادة السياسية ولأول مرة تم التطرق إلى اسم الدكتور نبيل العربي، وزير الخارجية آنذاك، وبالرغم من دوره الهام كوزير خارجية في هذه الفترة، إضافة إلى العلاقة المهنية المتميزة بيننا، فقد بدأت في إجراء بعض الاتصالات مع بعض الدول العربية التي لم تبدِ موافقة على المرشح المصري، حيث وجدت ترحيبًا كبيرًا باسم د.نبيل العربي من الجميع. واستمر شرف في شهادته قائلاً: "حاولت في حديث عابر أن أطرح الموضوع على د.نبيل، ولكنه رفض الفكرة، إلى أن تم عقد جلسة مع القيادة السياسية بحضور د.نبيل، وأُثير موضوع ترشيحه للمنصب، وكرَّر د.نبيل رفضه، ولكن تحت ظروف المرحلة ولتوجهنا في هذه الفترة الحرجة تم الضغط عليه وانتهى الأمر بتكليفه بقبول الترشح لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية...