14 سبتمبر 2025
تسجيلأثبتت ثورات الربيع العربي أن الثابت الأساسي في الحالة السياسية للمجتمعات العربية هو التحوّل في المواقف والآراء، بما يدعم الفكرة القائلة بأنه "لا ثابت في الوجود إلا المتغير"، فمجتمعاتنا عاطفية وتخضع للنخب السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، وهي التي تحركها وتوجهها، وذلك رغم أنه واقع بصورة نسبية، إلا أنه يحتكر القدرة على اتخاذ الرأي عن قناعة. ولكن لنكن أكثر موضوعية، فالمجتمعات العربية، وفي مقدمتها المجتمع المصري باعتبار الكثافة السكانية الأكبر، تعاني الأمية والفقر والجهل والمرض، ومعدلاتنا التنموية في مجالات المعرفة من الأضعف عالميا، ولا نعتني بالبحث العلمي وكثيرون يغادرون مواقع الدراسة في فترة مبكرة وينضمون إلى قوافل الفاقد التربوي، وهناك بطالة متفشية وسط الشباب تهدر كثيرا من القيم وتهيئهم لارتكاب الجرائم. لغة الأرقام والإحصاءات مخجلة ومؤذية للمشاعر، وبالتالي لا بد أن ينتج ذلك صراعا سياسيا واجتماعيا ودينيا سواء داخل المجتمعات أو خارج حدودها، فالصراع ينشأ في البيئات الأكثر تخلفا ويتراجع في تلك التي ارتفعت فيها معدلات التعليم وتصبح أكثر استقرارا، وللمفارقة فإن ذلك تمكن ملاحظته حتى داخل المجتمعات العربية نفسها التي تتفاوت في حظوظها التعليمية والمعرفية والتنموية. العقل السياسي العربي يجد معضلة في تكييف الواقع واتجاهات المستقبل واستقرائها بشكل منطقي، ولذلك فإن الصراع ينشأ بصورة عدائية وعنيفة بين النخب ويسقط ذلك بالضرورة على المجتمعات، وفي الإطار المصري والتونسي والسوري، على سبيل المثال، يمكن أن نلحظ كيف تحول الخطاب الإعلامي والفكري إلى المنهج الاستعدائي الذي لا يؤمن أو يوازن بين الرأي والرأي الآخر وحق جميع الأطراف في المراوحة بين السلطة والمعارضة. العملية السياسية من الاتساع بما يسمح باستيعاب جميع المكونات الاجتماعية، ولكنها تضيق في عالمنا العربي، وذلك لأن تأسيس العقل السياسي تم بصورة مشوهة كافية لإنتاج مثل هذه الحالة التي نعيشها اليوم، والتي قد تستمر لأجيال قادمة، لأنها عايشت وتفاعلت مع الصراع الحالي وتشوه فيه دور النخبة التي تعتبر حارس البوابة وعقل المجتمع الذي يبلور الصيغ النهائية للإرادة الاجتماعية. لا بد من إعادة نظر في اتجاهاتنا المستقبلية بحيث نسمح للنشء والشباب أن يفكروا بحسب معطيات وتحولات المستقبل ومتغيراته، وذلك لا يأتي إلا بالحوار وتبادل الأفكار، وإقصاء الصراع من المعادلة المجتمعية، لأنه مهما كانت هناك بذرة للصراع فلن تفلح أي جهود للتقارب والتعايش، وقد انتهى زمن النخبة العربية المعاصرة ويجب أن تتوارى خلف المسرح وتسلم القيادة لجيل الشباب، فذلك هو الخير بحسب ما قرره ابن خلدون، لأنه المناسب للسياسة.