11 سبتمبر 2025

تسجيل

آفة 23 يوليو

25 يوليو 2024

منذ يومين كان الثالث والعشرون من يوليو وهو عيد الثورة كما تعودنا، أو كما تعود جيلي ممن عاشوا تلك الأيام. يرتفع في الفضاء العام التي صارت تتيحه السوشيال ميديا سؤال هل كانت ثورة حقا أم كانت انقلابا عسكريا. كنت طفلا حين قامت الحركة المباركة أو الثورة ولم أعرف منها إلا ما رأيته ولم يكن سيئا، ثم جاء ما عرفته شابا بعد هزيمة 1967 وكان مرعبا. دخلت المدرسة في سبتمبر عام 1952 نفسه وكانت المدارس الحكومية هي المنتشرة، ولم تكن هناك مدارس خاصة إلا ما ندر. كانت المدارس مراكز ثقافية أكثر منها تعليمية وبها جماعات للفن والموسيقي والرياضة والأدب والرحلات وغير ذلك، ولم يكن هذا من صنع يوليو، لكن من تراث الفترة الملكية. حضرت العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم قناة السويس ورأيت البلاد كلها محتشدة وراء قرار عبد الناصر في التأميم. أقول البلاد كلها وليس المصريين فقط، بل كذلك الجاليات الأجنبية التي كانت في مصر، حتى إن اليونانيين في الإسكندرية مثلا شكلوا فريقا منهم للذهاب إلى بورسعيد للمقاومة. كنا نعيش بين الإذاعة المصرية الموجهة وبين صحف ثلاث هي الأخبار والأهرام والجمهورية وأضيفت إليها جريدة المساء، ولا شيء يصل إلى مصر من الخارج، وكل الإذاعات الأجنبية عليها تشويش لا يصل إليها أحد إلا بصعوبة كبيرة. رأيت مع بداية الستينيات المصانع الجديدة تتم إقامتها والمدارس والمستشفيات وكانت الخطة الخمسية الأولى لبناء ألف مصنع حقيقية، وكنت سببا خفيا لجر مصر إلى الحرب والهزيمة عام 1967. كانت المصانع والمدارس والمستشفيات تكفي الأغلبية أن لا يتحدثوا في السياسة ويبدون في رضا تام عن سياسة النظام. تغير الحال بعد الهزيمة وصار يتم تهريب صحف وكتب من الخارج وعرف جيلي الشاب ذلك الوقت لأول مرة كيف كانت المعتقلات في مصر قائمة بشكل بشع للمخالفين في الرأي من أهل اليسار أو اليمين. عرفنا أن المشكلة الكبرى هي أن حركة يوليو وهي تقدم المشروعات والتعليم والصحة كانت نظاما شموليا ديكتاتوريا يقوم على فكر الزعيم الأوحد. حين جاء السادات كانت بداية الضربة القوية لإنجازات يوليو نفسها، فهو بطريقة الزعيم الأوحد راح بشكل مضاد يمسح كل الانجازات السابقة. استمر الأمر ولم يبق من يوليو غير فكرة الزعيم الأوحد. أدركت مثلا أن الجاليات الأجنبية التي تم إخراجها من مصر بحجة تمصير الاقتصاد مرة، ثم التأميم مرة أخرى، لم يكن وراءها فكر اقتصادي، لكن رغبة الزعيم أن لا يكون هناك فكر آخر غير فكره. أن المظاهرات التي كانت تخرج تأييدا للزعيم من المصانع كانت مدفوعة الأجر للعمال مقدما وبدا ذلك عام 1954 ضد من كانوا من رجال الثورة أنفسهم يريدون عودة الجيش إلى ثكناته بعيدا عن السياسة مثل محمد نجيب وخالد محيي الدين وعودة الأحزاب من جديد. جاءت المعلومات من كل الدنيا لجيلي بعد هزيمة 1967 وهو أن ذلك الزمن كان عصر الانقلابات الذي بدأ مع حسني الزعيم في سوريا عام 1949 وتتالى بعد يوليو في بلاد مثل العراق واليمن وليبيا والسودان، وأن أكبر كارثة وقعت بمصر هي إيقاف طريق الليبرالية الصاعد بعد ثورة 1919. ما فعله السادات من إعادة الأحزاب واستمر حتى الآن هو أشكال صورية، فلا أحد يستطيع الخروج عن مركزية الدولة، ومن ثم فالجدل حول يوليو هل كانت ثورة أم انقلابا ينتهي بأنها كانت انقلابا بدليل أن كل انجازاتها في الصناعة مثلا انتهت بفكرة الزعيم الأوحد نفسها!